«يلّا تنام يلّا تنام، لاخطفلك طير الحمام... عبدالله يا نور العين، منين بجبلك ماي منين...». استعار «الرادود» حسين عياش هذه «الأنشودة» الفولكلورية، ليلة العاشر من محرم الحالي وهو يحمل طفلاً، في مشهد يحاكي الرواية التاريخية حول موقعة كربلاء، عندما حمل الإمام الحسين طفله الرضيع، طالباً من أعدائه أن يسقوه ماء.ورغم أن هذا النوع من القصائد، أو ما يسمّى الحدي، تراث شعبي قديم يُستخدم أساساً في العزاء لدى أهل بر الشام (وخصوصاً أهالي جبل عامل) منذ مئات السنين، اشتعل غضب على مواقع التواصل الاجتماعي ممّا سُمّي استعمال منبر الحسين «للغناء»! علماً أن فيروز، عندما غنّت «يلّا تنام»، أدّت تراثاً تؤدّيه الأمهات، الملتزمات دينياً وغير الملتزمات، لأطفالهن.
وُجّهت سهام النقد إلى «هيئة الروضتين»، وهي هيئة شبابية تنشط منذ عامين في إحياء المراسم الدينية (خصوصاً العاشورائية) وفق توجّه «جديد» في الشكل والمضمون، من مميزاته حضور البعد الثوري، إلى جانب العزائي، مع ذكر كثيف للشهداء، ونقد «الأسطرة» والمغالاة التي أدخلتها بعض الفرق على السيرة الحسينية، وتضمين هذه السيرة رسائل سياسية واجتماعية وصوراً عرفانية بحيث لا تقتصر على «المشهدية الملحمية» لواقعة كربلاء، بل تتعدّى ذلك إلى مضامين العدالة والحق والانحياز إلى «المستضعفين في الأرض»، على ما يقول أحد مسؤولي الهيئة.
بدأت «الهيئة» نشاطها بنحو 30 شاباً من المقربين من حزب الله، ليصل عدد حضور مجالسها في عاشوراء المنصرمة، في منطقة الغبيري، إلى نحو 3500 شخص يومياً، من مشارب حزبية مختلفة اجتذبهم الإحياء «غير المألوف» للمجالس العاشورائية.
تُعنى الهيئة بالتنوّع في «النمط الفني» وعدم الاقتصار على «لون» واحد


«فنياً»، تُعنى الهيئة بالتنوّع في «النمط الفني» وعدم الاقتصار على «لون» واحد. إذ غلب على مجالس العزاء واللطميات، منذ بدئها، اللون والتراث العراقيان، فيما يُسجّل لـ«الهيئة» التنويع الفني بين «العراقي» و«الإيراني» و«البحراني» و«اللبناني»، وضم بعض من التراث المحلي إلى هذه المجالس وطرق أبواب جديدة لحناً ونصاً (أغلب النصوص للشاعر نور آملي). علماً أن قارئي السيرة الحسينية في العراق والخليج وإيران وتركيا وباكستان والهند يستخدمون تراث بلادهم ولهجاتهم المحلية وتعابيرهم الشعبية في مجالس العزاء.
الشيخ الدكتور صادق النابلسي يؤكد «أن لا إشكال شرعياً في هذا النوع من النعي على الإطلاق. أما الاعتراض عليه، فلأنه غير مألوف لآذان المستمعين في مجتمعنا. ولكن لا ملازمة بين غير المألوف والحرمة. المسألة ذوقية أكثر منها شرعية. الأذواق مختلفة ومتنوعة في هذا المجال ويجب النظر إلى هذه القضية من باب الأذواق ومدى مقبوليتها عند الجمهور، لا من باب الحلّية والحرمة حصراً».
بعد النقاش الذي أثاره الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، سحبت «الهيئة» المقطع عن صفحتها الرسمية «منعاً للجدل غير الممدوح الذي وصل إلى التناول الشخصي في كثير من المنشورات»، وتراجعاً «عن أي شبهة يراها الحرصاء مخالفة لأدبيات المنبر الحسيني». هذا التراجع لا ينفي أن «الباب مفتوح لأن يتكرر الحدي في مجالس عاشوراء مرةً أخرى، إذ لا يوجد أي مانع شرعي أو عرفي من تكراره. لكن يمكن التخلي عنه إذا ما كان سيسبب فتنةً أو ضجةً نحن في غنى عنها»، بحسب آملي.