قبل أكثر من عام، افتتح وزير الصحة غسان حاصباني مركزاً لتوزيع الأدوية المزمنة والمستعصية في مستشفى بعلبك الحكومي. يومذاك، استبشر أبناء المنطقة ــــ مرضى السرطان خصوصاً ــــ خيراً باستحداث مركزٍ يعفيهم من الرحلة الشاقة إلى مركز «الكرنتينا» في بيروت. لكن، على ما يبدو، «الإجراءات الإدارية» العالقة في مكانٍ ما في وزارة الصحة تحول دون هذا الخير حتى الآن. فبعد 13 شهراً على «هيصة» الافتتاح، لا تزال الغرفة التي استحدثت مركزاً في «بعلبك الحكومي» مقفلة، لأنه «لا يوجد موظف في الملاك، والموظفة التي انتدبتها وزارة الصحة من زحلة إلى بعلبك لا تداوم»، بحسب النائب علي المقداد.«مركز بالاسم». هذا هي حال مركز بعلبك لتوزيع الأدوية المزمنة والمستعصية بعد الاعتراف ببعلبك ــــ الهرمل مؤخراً كمحافظة. وهو أتى، أصلاً، تتمة لمراكز توزيع أخرى استحدثت ابتداءً من عام 2008 في المناطق للتخفيف عن المواطنين عناء الانتقال إلى الكرنتينا. وحده مركز بعلبك بقي معلقاً في انتظار الفرج. ثمة قصص كثيرة يرويها أبناء المنطقة عما يحصل هناك: عن موظّف اضطر إلى رفع شكوى للحصول على مفتاح الغرفة في المستشفى كي يداوم في عمله. عن مصابين بالسرطان يقصدون المركز يومياً بلا طائل، ويعيدون في كل يوم السؤال نفسه: متى يستقبلون طلباتنا؟ قصص كثيرة لسبب واحد: عجز الدولة. فإلى الآن، البحث جارٍ عن «صيدلاني» ــــ موظف يتسلم عمله في المركز ويسيّر معاملات المواطنين.
مصادر وزارة الصحة تشير إلى أنه تمّ «العثور» على صيدلانية من خارج محافظة بعلبك ــــ الهرمل، على أن تلتحق بمركز عملها يومين في الأسبوع، لكن «مشاكل خاصة تمنعها من الحضور». ويوضح رئيس مصلحة الصحة في البقاع، الدكتور غسان زلاقط، أن «الوزير انتدب موظفة تعمل في مستشفى الرئيس الياس الهراوي في زحلة، على أن تداوم يومين في مركز بعلبك». لا يعرف رئيس المصلحة ما الذي يمنع الموظفة من الالتحاق بمركز عملها. كل ما يعرفه أنها «ما التزمت»، مشيراً إلى أنه ليس في يد الوزارة حيلة، لكونها لا تستطيع توظيف أحد لإدارة المركز. فالدولة لا توظّف، بل تنتدب. المشكلة إذاً في الدولة، وفي نظامها الفاشل، وفي نظام التوظيف المتركز في العاصمة، وفي العجز عن مواجهة تمرّد موظفي القطاع العام على قرارات إلحاقهم بمناطق أخرى لأسباب تكون في الغالب «شخصية». يتحدث أحد العارفين بالوزارة والذين خبروها عن قرب عن «تركيبة» موظفيها: «تلت موظفين ما بيروحوا. تلت بالبيت. وتلت بيشتغلوا». في الثلثين الأولين، يمكن الحديث عن معادلة «الفائض والنقص» التي ظهرت جلية في رحلة البحث عن موظف لمركز توزيع الأدوية في بعلبك. ففي وقت «يستعصي على وزارة الصحة إيجاد موظف للمركز أو إجباره على الالتحاق، هناك فائض صيادلة في مركز العاصمة لا يعملون، وجلّهم يحملون صفة ملحق لمدير عام أو بتصرف مدير عام». أكثر من ذلك، يتحدّث المصدر عن مرحلة من المراحل «شغّلوا فيها الصيادلة الفائضين في برنامج سلامة الغذاء»! يحدث ذلك في وقت يضطر آلاف المرضى في منطقة بعلبك ــــ الهرمل إلى المرور يومياً من أمام المركز في طريقهم إلى الكرنتينا.