أمس، أكمل الطفل حسن سلوم شهره الخامس من العمر... والرابع بلا يد. هكذا، صار «مبتوراً»، بعدما أفقده «خطأ طبي» يده اليسرى. قبل حادثة البتر، كان حسن يحمل وجعاً واحداً: الثقب في قلبه. أما بعد، فقد صار الطفل «يملك» وجعاً أبدياً: العجز. ولئن كانت عملية جراحية كفيلة بسدّ الثقب الذي يعطب قلبه، فمن الصعب أن يجد في الوقت الحالي بديلاً لليد التي قطعت. هو، اليوم، بيدٍ واحدة، وعليه أن يحمل بتلك اليد كل عجزه. عندما عاد حسن إلى البيت، بعد إقامة طويلة في المستشفى، سألت شقيقته والدها عن «يد حسن». حينها، لم يفلح الوالد في إفهام طفلته أن شقيقها صار على هذه الشاكلة بسبب خطأ ارتكبه طبيب ولم يُحاسب. وهذا ليس استثناء، فكل الأخطاء الطبية التي عطبت أطفالاً كمثل حسن أو قتلتهم بقيت هكذا بلا محاسبة. والأمثلة كثيرة هنا، ويمكن أن نذكر منها الطفلة إيلا طنوس التي فقدت أطرافها هي الأخرى بخطأ طبي، وصوفي مشلب وغيرهما الكثير. أما كيف بدأت قصة حسن؟ يروي الوالد آصف سلوم قصة ابنه التي بدأت مع ولادته المبكرة «في الشهر الثامن». حدث ذلك أواخر شهر آذار الماضي. يومها، وُلد الطفل بصحّة جيّدة، ولكن بعد ثلاث ساعات من الولادة «بدأ يختنق، ما استدعى نقله إلى غرفة العناية المركّزة في المستشفى»، يقول سلوم. بقي في تلك الغرفة 16 يوماً، أجريت له خلالها الفحوص اللازمة، والتي بينت وجود ثقبين في قلب الصغير. خلال تلك الفترة من الإقامة داخل العناية، لم يكن الطفل قادراً على الأكل، بسبب مشكلة التنفّس، وهو ما استلزم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتزويده بالغذاء، فكان القرار بتغذيته «من خلال السرّة». بقي الطفل على هذه الحال حتى التاسع من شهر نيسان الماضي، عندما قرّر الطبيب المعالج أن ينقل أنبوب الغذاء من السرّة «إلى أحد الأوردة». في تلك الفترة، كان الوالد يجهّز أوراق طفله لنقله من المستشفى الذي وُلد فيه إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت لإجراء العملية الجراحية لقلبه. وعندما عاد إلى حيث ابنه، كان الطبيب المعالج يجري «تدخلاً جراحياً» لابنه «لوصل إبرة مصل الغذاء إلى الوريد تحت إبطه الأيسر». ثلاث ساعات في غرفة العناية المشددة، خرج بعدها الطبيب ليخبر عائلته بـ«نجاح» الأمر. وبحسب الوالد، الذي يملك تسجيلاً صوتياً للحديث الذي دار بينه وبين الطبيب، فقد لفت الأخير إلى أنه أثناء وصل أنبوب الغذاء «صار عنا نزيف شوي بس الحمد الله سيطرنا عليه». سأل الوالد الطبيب عن السبب، فأجاب الأخير بأنه خلال العملية «انقطع الشريان تبع الإيد».
طلب الطبيب الاجتماع مع والد الطفل واعترف أن «المشكل» كبير


انتهى كل شيء عند هذا الحد، وبدأت التحضيرات لعملية «النقلة» إلى مستشفى الجامعة الأميركية لإجراء العملية لقلب حسن والتي كانت مقررة بعد بضعة أيام. لكن، حدث ما لم يكن في الحسبان. ففي اليوم التالي للتدخل الجراحي في يده، بدأت تظهر علامات زرقاء عند الطرف الأيسر، ثم شيئاً فشيئاً، استحالت يده زرقاء، وعندما سأل الوالد الطبيب عن هذا الأمر، جاءه الجواب «هيدي من ورا الكدمات، ما تخاف».
في الرابع عشر من نيسان الماضي، حمل سلوم ابنه إلى مستشفى الجامعة الأميركية لسدّ الثقب في قلبه، فكان «الخبر الكارثة». فبعد ثلاث ساعات من إدخاله إلى غرفة العناية المركزة، خرجت الطبيبة المشرفة على الحالة لتعلم العائلة بضرورة تأجيل العملية، لأن «هناك شغلة كتير كبيرة، إيدو بدها بتر». لم يستوعب الوالد كيف سيصبح ابنه بلا يد، فكان أول قرار اتخذه هو تقديم دعوى بحق الطبيب ش. ح. أمام النيابة العامة التمييزية، التي «أرسلت طبيباً شرعياً للكشف على الطفل وتزويدها بالتقرير»، يقول سلوم. وفي التقرير، يبيّن الطبيب الشرعي، حسين شحرور، أنّ «التدخّل الجراحي أدى إلى انسداد الشريان الإبطي الأيسر، وبالتالي وقف التغذية بالدم، الأمر الذي تسبب بتشكّل غونغران (غرغرينا) بالساعد، وهو ما يستلزم البتر حتماً». مع ذلك، انتظرت الطبيبة المشرفة، ماريان مجدلاني، بعض الوقت. حقنته بأدوية مسيّلة للدم، علها تختصر الجزء المبتور. لكن، لم تكن النتيجة على قدر الانتظار، فقد توقفت شرايين حسن عن ضخ الدم إلى يده «تحت الكوع بشوي»، يقول الوالد.
اتخذ القرار. لم يكن ثمة مهرب من البتر. راحت يد حسن، ولم يجد الوالد سوى القضاء. وبحسب الأخير، فقد أبلغه المحامي قاسم المولى أن «الدعوى الآن لدى التحرّي». في تلك الفترة، علم الطبيب الذي تسبب بتدهور حالة حسن بحادثة البتر، فطلب الاجتماع مع والده. وخلال الاجتماع، «اعترف بأنو المشكل كبير، وقلي إنو غلطتي الوحيدة إنو كنت مفكّر إنو بيخلقلو شرايين جديدة»، مضيفاً «عندي إثباتات على هذا الكلام ومسجلين عندي». حاول الطبيب خلال تلك الجلسة أن «يغرينا وقال إنه مستعدّ لدفع 30 ألف دولار أميركي مقابل سحب الدعوى»، فكان قرار الوالد بالمواجهة أمام القضاء. في الجانب الآخر من المواجهة، قصد الوالد نقابة الأطباء، بعد استدعائهم له ولزوجته، فلم يجد ما ينصفه «بعدما صار الكل محامين عن الطبيب». ويقول الوالد «إن الأطباء الذين كانوا موجودين كانوا عم يحاولوا يقولوا إنها ليست خطأ طبي وبتحصل مع مين من كان». باختصار، ما حصل هو «قضاء وقدر». وهذا إن كان يعني شيئاً، فهو يعني الدور الذي تمارسه النقابة في سبيل حماية الأطباء، فهي، في الغالب، تنسف أي ادعاء بوجود خطأ طبي، وتتجنّد لتبرئة الأطباء أو تخفيف المسؤوليّة عنهم. وهو ما يحصل اليوم مع حسن، وما حصل سابقاً مع صوفي وإيلا.