نحو 60 مليار ليرة لبنانية بلغت قيمة تلزيمات تركيب خطوط توترٍ ومحطاتِ تحويلٍ هوائية وتركيب أجهزة إنارة، أجرتها وزارة الطاقة والمياه بين عامي 2012 و2017.بحسب المعلومات، فإنّ خمسة متعهّدين فقط تقاسموا هذه الأموال خلال السنوات الخمس الماضية. وذلك بعدما كانت المنافسة تقتصر عليهم كل سنة (كلّ بحسب المحافظة التي يعمل ضمنها) بموجب دفاتر شروط كانت تُفصّلها وزارة الطاقة والمياه على قياسهم.
مصدر مُطّلع على الملف، قال لـ "الأخبار"، إنّ دفتر الشروط يتضمّن شرطاً إضافياً لا ينطبق إلا على هؤلاء المتعهّدين الخمسة وهو الشرط المتعلّق بتقديم إفادة صادرة عن المدير العام للموارد المائية والكهربائية في الوزارة لإثبات قيام الشركة المتعهدة تنفيذ أشغال تتراوح قيمتها بين 600 و800 مليون ليرة لمصلحة المديرية فقط، لافتاً إلى أن حصر الإفادة بالمديرية العامة للموارد في الوزارة من شأنه أن يستبعد عشرات المتعهّدين وبالتالي أن يُقلّل من نسب المنافسة التي تبتغيها أي مناقصة.

من هم المتعهّدون الخمسة؟

*غازي عارف المُنذر (شركة المنذر للتعهدات والتجارة ــــ مونتراكو) * مؤسسة المهندس جورج صفير * عصام محمود الأمين (شركة أفكو للمقاولات والتجارة العامة) * لينا سمير متى (شركة ترايكوم) * غسان سعيد فرحات (شركة فرحات غروب)


اللافت أن إدارة المناقصات في التفتيش المركزي سبق أن أرسلت عدة كتب إلى الوزير الحالي في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل، تُشير فيها إلى ضرورة إزالة الشرط الإضافي وتوسيع نطاق مصدر إفادة الأشغال ليشمل مؤسسات وإدارات عامة أخرى ولا يبقى محصوراً بالمديرية العامة للموارد المائية والكهربائية خلافاً لقواعد المنافسة (كأن تكون الشركة المتعهدة قد نفذت أعمالاً لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان مثلاً)، من دون أن تلقى جواباً.
وكانت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة قد أصدرت بدورها بتاريخ 11/5/2018 توصية رقمها 37 مُوجهة إلى وزارة الطاقة والمياه، أشارت فيها إلى أن التلزيمات التي تجريها الوزارة تتضمّن عدة مخالفات، موصيةً إزالة الشرط الإضافي الموضوع في دفاتر الشروط الخاصة بهذه التلزيمات منذ عام 2012 (حصر الإفادة بمديرية الموارد). واللافت هو ما تُشير إليه التوصية لجهة أن هذا الشرط الإضافي "لم ينجم عنه تغيير في زيادة عدد مقاولي الدرجة الأولى (...) ما يؤدي إلى الحدّ من المنافسة وحصرها بفئة معينة".
الجدير ذكره أن التفتيش المركزي تلقّى عدّة شكاوى من قبل متعهدين محرومين من إمكانية المشاركة بالمناقصات. هؤلاء "تسلّحوا" بـقرار النيابة العامة ليُذكّروا التفتيش بضرورة التحرّك لتقويم الوضع الحالي.

الوزارة متمسّكة بالشرط الإضافي
بتاريخ 12/6/2018 أصدرت إدارة المناقصات في التفتيش المركزي، المذكرة رقم 15/2018، أعادت بموجبها جملة من ملفات التلزيمات (أشغال غب الطلب إنارة عامة (LED) على كافة الأراضي اللبنانية، أشغال غب الطلب لتركيب أجهزة إنارة عامة على الطاقة الشمسية على كافة الأراضي اللبنانية، أشغال غب الطلب لإنشاء خطوط توتر متوسط ومحطات تحويل هوائية في محافظات البقاع وبعلبك الهرمل، الشمال وعكار، الجنوب والنبطية، وجبل لبنان) إلى وزارة الطاقة والمياه للأخذ بمضمون توصية النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة وإعادة هذه الملفات إلى إدارة المناقصات مصححة للإعلان عنها وفقاً للأصول، إلّا أن وزارة الطاقة والمياه أصرّت على إبقاء الشرط الإضافي كما هو، متجاهلةً بذلك توصية النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة وملاحظات إدارة المناقصات في هذا الشأن!
انطلاقاً من هنا، تتجه الوزارة إلى إجراء مناقصات لتلزيم الأشغال المذكورة أعلاه في الأول والثاني والثالث من الشهر الجاري، وفق "المعتاد" على أن تكون النتيجة محسومة للمتعهّدين الخمسة "المعهودين".

رئيس مصلحة التجهيز يخالف القانون
يحرص مُنظّمو هذه التلزيمات في وزارة الطاقة على تنظيم المناقصات على صعيد المحافظات لا الأقضية، وذلك سعياً إلى رفع قيمة المشاريع المزمع تنفيذها وبالتالي رفع تصنيف المقاولين المُستهدفين من المناقصات. لذلك، تكون درجة المقاولين من الفئة الأولى المُستهدف شبه الوحيد لتلزيمات الوزارة التي تنظمها على صعيد المحافظات. بحسب عدد من الاختصاصيين، فإنّ تلزيمات تركيب خطوط التوتر والمحطات الهوائية وغيرها لا تعدّ أعمالاً "مُعقّدة"، إذ يمكن اعتماد مناقصات تلزيمها على صعيد الأقضية لا المحافظات. وبالتالي، يمكن لعشرات المقاولين من الدرجة الثانية التقدّم إليها. الجدير ذكره أنّ إجراء المناقصات على صعيد المحافظات يستوجب أن تكون الأعمال مترابطة.
تلفت توصية النيابة العامة في هذا الصدد إلى مخالفة رئيس مصلحة التجهيز الكهربائي في وزارة الطاقة والمياه لأحكام المرسوم رقم 3688، إذ "يقوم بإلغاء درجات الصفقات العامة واعتماد درجة جديدة بجمع كل الصفقات لأشغال غير مترابطة فنياً وذلك بهدف زيادة حجم الصفقة لتصبح قيمتها عالية مما يبرر وضع شرط إضافي عملاً بالمادة 10 من المرسوم ذاته". بمعنى آخر، كان رئيس المصلحة يجهد إلى زيادة حجم المناقصات عبر ربط أشغال غير مترابطة بهدف استقطاب الدرجة الأولى من المقاولين، فيما كان يردّ على أسئلة إدارة المناقصات بخصوص هذه الملفات بعبارة «هذا ما قرره معالي الوزير»، على حدّ تعبير المصدر.

النيابة العامة تساهلت مع الوزارة؟
مصادر قانونية رأت أنه يتوجب على النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة أن تصدر قراراً واضحاً بوقف هذه المخالفات، وتبلغه إلى إدارة المناقصات، "إلّا أنها أصدرت توصية مخففة ولم تُلزم الوزير بتطبيقها على رغم الشوائب والمخالفات التي ذكرتها في مضمون التوصية".
وقد حاولت "الأخبار" التواصل مع الوزير أبي خليل ومستشاريه للوقوف على تفاصيل هذه الوقائع، إلّا أنها لم تلق جواباً.