تصوروا معي ما كان سيكون وقع انقطاع الكهرباء عن أحد القصور الرئاسية؟ حتما ستقوم الدنيا ولن تقعد. سيختلط حابل الطوائف القوية بنابل السيادة المفقودة. لكن تعالوا نزور سوية قصري العدل في بيروت وجبل لبنان. إهمال ما بعده إهمال منذ عشرات السنوات. المباني صارت متداعية والملفات مرمية والكهرباء تنقطع ساعات طويلة. لا تجهيزات حديثة ولا مكننة تواكب ضرورات العدالة الحديثة. مشكلة قصور العدل أن لا طوائف أو مذاهب أو عشائر تنتمي إليها وتحتمي بها. ومن اسباب مصيبتها أن اهل العدل يلتهون بمشاكلهم الصغيرة سواء الجسم القضائي الذي اضرب حفاظاً على صندوقه الخاص، وهو على حق ولكنه لا يتحرك من اجل ترتيب بيته... أو مجلس القضاء الذي يلتهي بفرش مكاتبه وبتأمين مصعد خاص لقضاته. أما المحامون، فهم ضائعون بين لقمة عيشهم الصعبة وتبرير الاحكام المؤجلة لموكليهم ومصير عقد التأمين العائد لهم، وبين خضوعهم لارادة احزاب السلطة في اختيار ممثليهم إلى مجلس نقابتهم... فيما السلطة التنفيذية، لا هدف لها الا التنكيل بالقضاء واخضاعه لارادتها اليومية وان يكون كخاتم في اصبعها تحركه كيفما تشاء.
وللتذكير فقط، فان التقاضي في لبنان مكلف وليس مجانيا... ولعل اعضاء المجلس النيابي، هم خير مثال عن اليتم المفروض فرضا على السلطة القضائية، فهؤلاء، وخاصة المحامين منهم، لم يوجهوا سؤالا واحدا للحكومات المتعاقبة عن احوال قصور العدل، بينما تنافسوا على إحتلال المكاتب في مجلس النواب والفوز بأرقام زرقاء مميزة.
لقد تحولت قصور العدل الى مجرد يافطة مهترئة معلقة على مداخل القصور، اما في الداخل، فقد أصبحت بشكلها ومضمونها عنوان غياب الثقة بقيام دولة يعاقب فيها القانون المخطىء ولا يترك امره الى القدر... وتهشيل المستثمرين من بلاد الارز الى غير رجعة.
حال قصور العدل تظهر من دون شك غياب فكرة الوطن الحامي والجامع. اما الحل، فلا يستقيم الا بانتفاضة القضاة والمحامين لانقاذ السلطة الثالثة من براثن الاهمال، والا دعونا نودع وطن حلمنا به يوما.
المحامي أنطوان ع. نصرالله