لم يعد اقتناء المصنوعات التراثية والتحف في منازل الجنوبيين هواية فردية. أصبح ظاهرة شائعة البحث عما خلفه الأجداد من أوان مطبخية وآلات ونحاسيات وخواب وأجران (...) مما أفلت من طفرة التحديث، واستبدال ما هو قديم بالآلات الإلكترونية والتكنولوجيا.في رحلة العودة إلى الأصل، هناك من تميز إلى حد تكريس وقته وإمكانياته لجمع التراث في مكان واحد. لم تشغل مهنة رائد فحص (40 عاماً) في بيع الشتول والأشجار والزهور، عن هوايته الفطرية في اقتناء كل ما هو قديم. منذ طفولته، كان شغوفاً بأواني جدته النحاسية وماكينة الخياطة خاصتها. كان يخبئها من دون علمها، كأنها كنزه الذي يخشى فقدانه. منذ عشرين عاماً، صارت الهواية مهمة رسمية لجمع القديم، ليس في لبنان فحسب، بل حول العالم أيضاً.
(تصوير: علي حشيشو)

من بيوت وأسواق ومزادات لبنان وبلجيكا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها، جمع فحص حوالي سبعة آلاف قطعة منها عدّة الزراعة والخياطة والصناعة والنجارة البدائية وأجران الكبة وخوابي زيت الزيتون والنبيذ والخزفيات الثمينة والسبحات. فضلاً عن تشكيلة واسعة من آلات الرياضة والتلفزيونات والراديو واللوحات والمفاتيح والأسلحة الحربية والنحاسيات والسيوف والخناجر والدراجات. في شهر رمضان الماضي، اشترى مئة وعشرة فوانيس يزيد عمرها على مئة عام، بعضها من بريطانيا.
في ساحة بلدته جبشيت (قضاء النبطية)، يرتفع منزل فحص كمعلم يستدل به أهل البلدة والمارة. منزل أبيض شيد على الطريقة الحديثة، قبل أن يكمل صاحبه «طلاءه» بمقتنياته الثمينة. تفيض التحف لكثرتها على جدران البيت الخارجية وفي حديقته. الحال نفسه داخله. خصص فحص غرفة حوّلها إلى معرض يزدحم بآلاف القطع. لا يمكن للمرء أن يحصيها، لكن فحص يحفظها كأولاده، لا سيما «تيليسكوب» بدائي لا يزال قيد التشغيل.
يعمل فحص على تحويل منزله إلى متحف للزوار وأرشيف لحضارات العالم. ينوي تدوين قصة كل قطعة وتاريخها، لا سيما الفوارق في صنع القطعة ذاتها وطريقة الإستخدام بين بلد وآخر ما يعكس بصمة كل شعب. وفي كل الأوقات، هو جاهز لاستقبال المزيد من القطع سواء تقدمة أو بيعاً.

(تصوير: علي حشيشو)