الأهل والمعلمون يسعون إلى تطبيق القوانين، والدولة والمؤسسة التربوية تمتنعان. ماذا يحصل؟ من المفترض أن تصبح القوانين النافذة ضابط الإيقاع للعقود المبرمة بين أصحاب العلاقة، تحمي تنفيذها السلطات الإجرائية والقضاء ورئاسة الجمهورية كراعٍ لتطبيق الدستور والقوانين.
ومنذ إقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب الرقم 46 لتصحيح أجور المعلمين، فُتح النقاش الواسع حول القانون 515/96 المتعلق بموازنة المدارس الخاصة ودور لجان الأهل. وبمبادرة من رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير التربية مروان حمادة تألفت لجنة الطوارئ الخاصة لنقاش تداعيات تأثير القانون على موازنات المدارس وآليات حلها، وليس لنقاش القانون نفسه أو غيره.
لكن، في اجتماعات لجنة الطوارئ، وجد الأهل والمعلمون أنفسهم ينساقون إلى نقاش آخر مختلف تماماً. الطرفان يريدان تطبيق القوانين فيما المؤسسات التربوية تعترض عليها وتعلن «إضراباً» عن تنفيذها وتضع شروطاً: «أطبق هذا البند ولا أطبق الآخر»، «على الدولة أن تساهم...». الوزير، وبنيّة حسنة، يحاول الدخول كوسيط تسوية، فيضع خارطة طريق في الاجتماع الأول للجنة، ويتناساها في الاجتماع الثاني، ويُسقط تطبيقها في الاجتماع الثالث كونها تتطلب دراسة استقصائية للسنوات الخمس السابقة. وقبل ذلك طلب دراسة اقتصادية من خبرائه أظهرت أن تأثير القانون 46 على الموازنة المدرسية لا تتعدى 13%، ولكنه لم يقم بنشر تفاصيلها، واستدعى نقيب خبراء المحاسبة لكنه لم يكلف أي مدقق المباشرة في التدقيق الإستقصائي للموازنات، وتناسى أن وزير التربية السابق الياس بو صعب كان قد انجز هو الآخر دراسة مقارنة بين الأقساط خلُصت إلى أن نسبة الزيادة خلال السنوات الخمس هي 80%. ويعود معالي الوزير، في ظهوره الإعلامي، ليؤكد أن التدقيق المحاسبي جارٍ، ويعيد الدفة الى لجان الأهل في إقرار الموازنات ودرسها. لكنه، في المقابل، لا يفعّل ولا يضغط لتشكيل المجالس التحكيمية ولا لمراقبة انتخابات لجان الأهل، ولا يتابع موظفوه كما يجب القضايا العالقة والتحويلات إلى المحاكم وغيرها.
أخيراً، بدأ الحديث عن حلين. الأول اقترحه رئيس الجمهورية وهو تقسيم الزيادة الطارئة على الرواتب على أربعة اطراف: الأهل والمعلمون والإدارة المدرسية والدولة. هذا الإقتراح يحتاج الى اقرار في مجلس النواب وتوفير موازنة له ولن يحدث قبل سنوات، عدا عن اشكالية كبيرة فيه، ان الزيادة ستقسم شكلاً على أربعة اطراف. لكنها، في الواقع، ستقسم على طرفين إثنين هما الاهل والمعلمون. فالدولة ستدفع حصتها من الخزينة، اي من الضرائب، وبالتالي من المواطنين ومن ضمنهم الأهل والمعلمون، والمدرسة ستدفع حصتها حكماً من موازنة المدرسة التي يدفعها الأهل من خلال الأقساط. فالمدارس الخاصة لا تملك ولا تضع رأسمالاً استثمارياً في موازناتها، بل هو نتاج ما تجنيه من الأقساط المدرسية. وبذلك يدفع الأهل، فعلياً، ما يقارب حصتين، والمعلمون حصة، وأخرى من ضرائب الأهل والمعلمين والمواطنين جميعاً!
الحل الثاني هو طرح الوزير حمادة بتقسيط الزيادة والدرجات الست الاستثنائية على مراحل زمنية، وهو ما يواجه رفضًا من الأهل والمؤسسات التربوية. فهذا الطرح يعني أنّ الأهل سيدفعون الزيادة كاملة ولو بعد حين، من دون مراقبة الموازنات ومن دون حماية قضائية وآليات مراقبة وتدقيق مالي. وهم لا يمارسون، في المقابل، حقهم في درس الموازنة وقطع الحساب... اي عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل إقرار القانون واستيعاب الأهل للعبة المالية في موازنات المدارس، بينما المؤسسات ترفضه لأنها ترفض أصلاً الإقرار بالدرجات الست وتنفيذ القانون 46 كما هو.
لا نفهم ما هي الضغوط التي تمارس للإلتفاف على القوانين، وهل تملك المؤسسات التربوية ومن خلفها الدينية هذه السطوة للإمتناع عن تنفيذ قانون لمجرد رفضه؟ وما الذي يجعل رأس السلطة الدستورية والسلطة التنفيذية يسعى لإيجاد حلول ملتوية ومختلفة عن تطبيق القوانين النافذة؟ هل يًعقل ان يطالب الأهل والمعلمون بتنفيذ القوانين والمؤسسات التربوية تعترض والدولة تلتف على قوانينها؟ الا تجري الأمور بالعكس عادة؟
* باحث في التربية والفنون