ينظر الطرابلسيون بعين الأمل والتفاؤل وهم يرون مرفأ مدينتهم يتطور إدارياً وإنشائياً بعد توسيع رصيفه وتعميق حوضه واستقدام رافعات عملاقة والعمل على ربطه بشبكة مواصلات ذات امتداد إقليمي، وتهيئته للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، ما يَعدُ بنموّ اقتصادي طال انتظاره.
ولكن هذه الآمال ضُربت في الصميم، وعاد الحديث عن المؤامرة المُحاكة ضدّ طرابلس وإهمالها وتهميشها على مدى عقود. وتعود خيبة الآمال هذه، والغضب أيضاً، إلى قرار اتّخذه المجلس الأعلى للجمارك يقضي بسوق الإرساليات الواردة من تركيا إلى مرفأ طرابلس على عبارات بحرية إلى مرفأ بيروت لإجراء معاملات التخليص الجمركي فيه، على أن ترافق شعبة البحث عن التهريب الشاحنات من مرفأ الوصول إلى مرفأ بيروت. وكذلك تسجيل المانيفست في مرفأ بيروت، وإخضاع كافة البيانات والأوضاع الجمركية لهذه الشاحنات للمسار الأحمر الإلزامي وإجراء كشف حسي دقيق وكشوفات معاكسة عند الاقتضاء، وذلك حتى إشعار آخر.
وقد جاء هذا القرار إثر وقوع شاحنات بضائع ملبوسات وأحذية بيد دورية جمارك خارج المرفأ لم تستوفي كامل القيمة الجمركية المتوجبة.
ولكن هل يعاقب المرفأ والمدينة أم يعاقب الفاعل؟
بحسب مصادر مطلعة، اكتفت إدارة الجمارك بنقل الكشاف الجمركي من مرفأ طرابلس إلى شتورة، بيد أن المخلص الجمركي ما زال يمارس أعماله لارتباطه بعلاقة صداقة وطيدة بمرجعية سياسية كبيرة.
أما عقوبة مرفأ طرابلس المتمثّلة بالقرار سينتج عنها تأخير تسليم البضائع المحملة الى التجار وأصحاب العلاقة، وسيؤدي ذلك حتماً إلى النكوص بالاتفاقات والتزامات التجار، كما يضيف المزيد من الأعباء المالية، ما يلحق الضرر الفادح بسمعة المرفأ محلياًَ ودولياً والمؤسسات المرتبطة أعمالها به، ما يعني التأثير على اقتصاد المدينة بأسرها.
تجدر الإشارة إلى أن أعمال الكشف الجمركي أصبحت ملقاة على كاهل كشاف واحد، من ملاك يفرض تعيين ستة كشافين، بعد نقل الكشاف المُعاقب إلى شتورة، ما سيؤدي إلى المزيد من التعطيل في أعمال المرفأ.
في اتصال لـ"الأخبار" مع رئيس المجلس الأعلى للجمارك أسعد الطفيلي رفض ما يتداول عن وجود نوايا سيئة بحق طرابلس ومرفئها، قائلاً: "هذا القرار ما هو إلا تدبير مؤقت بعد أن اكتشفنا تهريبات عدة وسنعود عنه فور انتهاء التحقيقات، وبناء عليها سيتم توقيف عناصر بالجمارك والمخلص الجمركي والتاجر أنطوان صليبا، إذ أنه كان يدفع 30 مليون ليرة بدلاً من 100 مليون". ويعتقد الطفيلي بأن "يومين أو ثلاثة لن يخربوا اقتصاد طرابلس"، لافتاً إلى أنّه "أُلحق بالقرار قرار آخر يستثني كل البرادات المحملة بالمواد الغذائية كالأسماك واللحوم".
وفي ردود الفعل، زار مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر رئيس المجلس الأعلى للجمارك في مسعى لإلغاء القرار ووعد خيراً، وقد تقدم بطلب إضافي للحصول على استثناء للشاحنات المحملة بالمواد الغذائية غير المبرّدة والغاز كونها مواد لا تحتاج التدقيق الجمركي كالملابس.
وصدرت بيانات نددت بهذه الإجراءات، معتبرة أن طرابلس هي الحائط المائل التي تُطبّق عليه القوانين المجحفة، بينما تتواتر الأخبار عن التهريبات في مرفأ بيروت والمرافئ الأخرى ولم يُتخذ بحقها قرار مماثل، متسائلين لِمَ لا يتم تشديد الرقابة الجمركية بدلاً من معاقبة المرفأ والمدينة؟ وطالبت هذه البيانات وزراء ونواب المدينة بمواقف مناسبة تضع حدّاً للقرارات الظالمة بحق العاصمة الثانية، التي يؤمل لها بأن تكون العاصمة الاقتصادية للبنان.