في 30 آب الماضي، تقدّم عشرة نواب بمراجعة أمام المجلس الدستوري للطعن في القانون المتعلّق بتعديل واستحداث بعض المواد القانونية الضريبية لتمويل سلسلة الرتب والرواتب (الذي يحمل الرقم 45 والصادر في 21 آب الماضي). هذه المُراجعة، التي «قادها» حزب الكتائب، استندت إلى مادة وحيدة في القانون تعتبرها تنطوي على ازدواجية ضريبية تصيب المصارف والمهن الحُرّة من جراء فرض تأدية الضريبة على الفوائد المصرفية.
وبالتالي، إنّ مراجعة الطعن تلك لم تُشِر إلى مواد «أكثر خطورة» يتضمنها القانون، على حدّ تعبير كلّ من «المُفكّرة القانونية» و«ائتلاف الشاطئ اللبناني»، وهو ما حفّز على إعداد مذكرة في هذا الشأن، ومحاولة تسليمها للمجلس الدستوري، والمطالبة بإبطال المواد المُتصلة بتسوية المخالفات على الأملاك البحرية الحاصلة قبل 1-1-1994 التي يتضمنها القانون المطعون فيه، لأنّ من شأن هذه المواد أن «تُشرّع الاعتداءات الحاصلة على طول الشاطئ اللبناني خلال الحرب ومن بعدها، لقاء مبالغ زهيدة وعلى نحو يمسّ بحقوق المواطنين بالتمتع بملكهم العام وبالشاطئ»، وفق ما يرد في المُذكّرة.

توسيع حق التقاضي

عملياً، لا يحقّ للمنظمات غير الحكومية التقدّم بطعن أمام المجلس الدستوري، إذ إن هذا الحقّ محصور برئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء أو عشرة نواب، إلا أن الجهتين المُتقدمتين تسعيان عبر المُذكّرة إلى إرساء إجراءات تهدف إلى «توسيع حق التقاضي وتعزيز مُشاركة المواطنين في الشأن العام وفي مُساءلة أعمال الحائزين وكالة عامة منهم»، وفق ما يرد في نص المُذكرة التي طرحت هذا النقاش على المجلس نفسه، وذكرت موجبات قبول المذكرة من ناحية غياب نصوص القوانين التي تمنع المواطنين من تقديم العرائض والمذكرات المُشابهة، فضلاً عن المادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تضمن حق الفرد باللجوء إلى المحاكم الوطنية لإنصافه، إضافة إلى توجه العديد من المجالس الدستورية والمحاكم الدولية إلى قبول فكرة «صديق المحكمة»، لأنها تسمح بتطوير المنظومة الحقوقية.

تعطي التسوية وضعية ممتازة للمعتدين ولا تولي الضحايا أي حقوق


في المبدأ، رفض المجلس الدستوري، أمس، تسلُّم المُذكرة انطلاقاً من حصرية حق التقدّم بالطعن بالجهات المذكورة أعلاه، إلا أنه طلب توجيهها (المُذكّرة) إليه عبر وسائل الإعلام، تماماً كما حصل عندما تقدّمت كل من حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» و«المُفكرة القانونية» في تشرين الثاني الماضي لدى المجلس بمذكّرة مُشابهة من أجل الطعن في قانون الجنسية اللبنانية.
يقول المُدير التنفيذي لـ «المُفكرة القانونية»، المحامي نزار صاغية، إنّه عُرض على الجهتين اقتراح تحديد موعد مع رئيس المجلس من أجل مناقشة قانونية المُذكرة وإمكانية اعتمادها كإجراء يعزّز التشاركية بين المواطنين والمجلس. ويُضيف: «يبدو أن المجلس متفهم لهذه الخطوة الجديدة، لكنه لا يزال غير مقتنع بها، وهو سيحتاج إلى مناقشتها، ونحن على استعداد لأن نضغط في هذا الاتجاه».
تهدف المُذكرة إلى لفت نظر المجلس إلى مخاطر قانون تسوية الأملاك العمومية البحرية، وبالتالي استغلال مناسبة الطعن من أجل التصدي للمخالفة التي ترسيها مسألة التسوية. بمعنى آخر، تأتي هذه المُذكّرة بمثابة دعوة إلى المجلس من أجل التدقيق في أحكام القانون برمته، وليس في المواد التي طعن فيها النواب العشرة فقط.
تُقسّم المُذكّرة أسباب بطلان قانون تسوية الأملاك العامة البحرية إلى أربعة أقسام:

غرامات زهيدة

يتعلّق القسم الأول بوظيفة القانون في تأمين تمويل السلسلة. في هذا القسم، تقول المُذكّرة إن التدقيق في كيفية احتساب الغرامات «يؤدي إلى إلزام هؤلاء المخالفين بتسديد مبالغ زهيدة لا تتماشى مع شروط التعويض العادل أو مع مبدأ المساواة بين المواطنين». وتستعرض في هذا الصدد آلية الدفع التي استندت إلى تقديرات حصلت عام 1992 والتي لا تأخذ بالاعتبار ارتفاع قيمة العقارات وبدلات إشغالها، فضلاً عن التفاوت في تحديد نسب المُضاعفة في تحديد البدل. لتخلص المُذكرة إلى أن المادة 11 من قانون الضرائب (المتعلقة بقانون تسوية الأملاك البحرية) معرّضة للإبطال «لأنها تخالف المادة 7 من الدستور التي تفرض المساواة بين المواطنين في حقوقهم وموجباتهم»، مُشيرة إلى أن «لا شيء يبرر أن يستثمر قسم من اللبنانيين الأملاك العامة من دون أن يسددوا بدلاً عادلاً عنها، على نحو يخلّ بالمساواة بينهم وبين الآخرين».

منح عفو للمخالفين

يتعلق القسم الثاني بالوظيفة الثانية لقانون التسوية، المتمثلة بـ «منح عفو كامل أو جزئي عن المسؤولية الجزائية الناجمة عن الاعتداءات الحاصلة على الأملاك البحرية قبل تاريخ 1-1-1994»، إذ حصر المُشرع تسوية المخالفات بتلك التي حصلت قبل عام 1994 فقط. وهنا ترى المُذكرة أن هذا «العفو الأبيض» للمخالفين الآخرين، «يرشح عن تمييز فاضح لصالح فئة من المواطنين ضد فئات أخرى من دون مبرر ويناقض مبادئ الحد الأدنى من العدالة الانتقالية». أمّا التعديات الحاصلة بعد عام 1994، فقد شملت في القانون على عفو جزئي تمثل بتنزيل الغرامة المحددة من 5 مرات بدل الإشغال إلى 1.75 لهذا البدل في حال تسديد الغرامة عداً ونقداً. من هنا، خلصت المذكرة إلى اعتبار أن هذا العفو هو بمثابة «عفو عام تمييزي»، وبالتالي فهو مخالف للدستور.

تشريع الإشغال الدائم

تتناول المُذكّرة في القسم الثالث الوظيفة المتعلقة بـ «معالجة» المخالفات. هنا، تخلص المذكرة إلى القول إن القانون «يمنح الجهات المخالفة إمكانية إشغال الأملاك العامة البحرية عند توافر عدد من الشروط لقاء بدلات غير عادلة (...) ويخضع الإشغال تبعاً للمعالجة لنظام دائم تمييزي بالنسبة إلى سائر شاغلي الأملاك العامة، ويفتح الباب أمام مراسيم استغلال للملك العام طويلة الأمد أو غير محددة المدة خلافاً للمادة 89 من الدستور». وتُضيف المُذكرة أن «الأخطر» من كل ما سبق، أن القانون، وعبر تشريع إبقاء المُنشآت الدائمة المبينة خلافاً للقانون على الأملاك العمومية البحرية، «يفتح الباب وللمرة الأولى بتاريخ لبنان لإنشاء مساحات خارج القانون».

مخالفة مبدأي الضرر والتناسب

في القسم الرابع، تستعرض المُذكّرة مسألة «انتفاء التناسب بين المصلحة المتأتية من القانون والضرر الجسيم الناتج منه على صعيد مفهوم المُلكية العامة والحق بالتمتع بالبحر». وتخلص إلى أن القانون يؤدي حُكماً إلى «تقييد حقوق أساسية وإلى ضرب مبدأ المُساواة في استخدام المُلك العام». وتستند المُذكرة في هذه الخلاصة إلى بعض النقاط التي تتمثل بأن بدل المعالجة يبقى زهيداً لتمويل السلسلة، في مقابل أن الكثير من البلدان السياحية تعمد إلى فتح شواطئها أمام العموم من أجل رفع عائداتها السياحية. إضافة إلى اعتبار المُذكرة أن كلفة المعالجة «خطيرة جداً»؛ إذ ترهن مستقبل الأجيال المقبلة من خلال تمكين السلطة التنفيذية بإعطاء مراسيم إشغال من دون أي مدة قصوى. كذلك إن كلفة المُعالجة ستعدّ باهظة على اعتبار أنها تعطي وضعية ممتازة للمعتدين ولا تولّي الضحايا أي حقوق على نحو يناقض الحد الأدنى للعدالة الإنتقالية.




مواجهة «لوبي» المنتجعات البحرية

في حديث لـ «الأخبار»، يقول المدير التنفيذي لـ «المُفكّرة القانونية» المحامي نزار صاغية، إن تقديم هذه المُذكرة هو «الخطوة الأبرز الأولى التي قام بها ائتلاف الشاطئ المدني»، وإن هذه الخطوة تأتي استكمالاً لمسار طويل سيبدأه الائتلاف سعياً إلى جعله «قوة مقابلة تواجه قوة أصحاب المنتجعات البحرية». ويُضيف أن السلطة عمدت إلى محاورة أصحاب المنتجعات عندما صاغت القانون، «ما نسعى إليه هو اعتماد الائتلاف كجهة مخولة لإبداء استشارات حول حقوق العامة في ملكها العام البحري».