يعقد أهالي المدوّر والجوار مؤتمراً صحافياً، مساء اليوم، على مفرق مستشفى الكرنتينا، لإعلان خطوات مواجهة محرقة النفايات التي تخطّط بلديّة بيروت لإنشائها في العقار 1382/المدوّر، والتي أُدرجت بنداً على جدول أعمال جلسة المجلس البلدي منذ أسبوعين، قبل أن يُرجأ بتُّها إلى موعد آخر، لم يحدّد، وذلك نتيجة اعتراضات قائمة داخل المجلس البلدي، لاعتبارات انتخابيّة، على موقع المحرقة لا مبدأ إنشائها، من دون إيقاف المشروع الذي وضع على سكّة سالكة!
«محرقة الموت» لن تمرّ

يرى أهالي منطقة المدوّر أن «محرقة الموت»، بحسب وصفهم، هي بمثابة «خطوة مبطّنة لقتل سكان المنطقة أو تهجيرهم، فضلاً عن تفقيرهم، لكونها ستؤدي إلى خسارة أموالهم وممتلكاتهم وحياتهم وبيئتهم واقتصادهم، وهم أعلنوا رفضهم القاطع لإنشائها، ودعوا بلدية بيروت إلى إلغاء المشروع، لأن هذه المحرقة ستكون سبباً في موت بطيء يصيبهم، وتهجير سريع لعموم أهالي بيروت»، وفق ما يشير مختار المدوّر جان صليبا لـ«الأخبار»، باعتبار أن هناك «أكثر من 800 عائلة تعيش من العمل في المسلخ والمسمكة، إضافة إلى أن المنطقة تحمّلت الكثير منذ 20 عاماً وحتى اليوم، نتيجة الإهمال البيئي، وتحمّلنا روائح النفايات من المعمل الموجود فيها وروائح حرق العظام من المسلخ، التي باتت السبب الأوّل في تفشي أمراض السرطان بين أهالينا. مطلبنا الوحيد هو الرجوع عن فكرة المحرقة نهائياً».
ويشير جورج طاشاجيان، من جمعيّة «لوغوس»، إلى أن «البلديّة مستمرّة في سياسة إخماد الاعتراضات لتمرير المشروع على مراحل، تمهيداً لفرضه كأمر واقع، البداية كانت مع استمرار إغلاق المسلخ حتى اليوم على الرغم من دفع 1.7 مليون دولار لإعادة تأهيله، ومن ثمّ استقدام استشاري من كوبنهاغن (رامبول) وضع دراسة ترويجيّة للمحارق، وصولاً إلى محاولة بتّ مسألة الموقع قبل الرجوع عنه نتيجة الاعتراضات، وكلّ ذلك بالتزامن مع إنهاء التأهيل المسبق ومتابعة العمل على دفتر الشروط». ويتابع طاشاجيان: «لن نقبل بوضع محرقة على مدخل بيروت مكان السوق الشعبي المفترض إعادة تأهيله، وبالقرب من مستشفى الأطفال المستحدث، وأهراءات القمح ومستودعات الأكل. كذلك فإننا لا نملك ثقة بالسلطة المحليّة التي لم تعدّ حتى اليوم خطّة للفرز، ما يعني أن هناك نيّة لحرق كل النفايات، ولا نعرف مواصفات المحرقة، وهناك غياب للشفافيّة الماليّة باعتبار أن المبالغ المتداولة لقيمة الصفقة خياليّة. المنطقة تعاني منذ أكثر من 20 سنة نتيجة وجود جبل النفايات فيها واحتلال شاطئ وعدم إمكانيّة الولوج إليه، وهي لا تحتمل محرقة إضافيّة».

اعتراضات داخل المجلس البلدي!

في 14 آب الحالي، وزّع على أعضاء مجلس بلدية بيروت، بنود جدول الأعمال المخصّص لجلسة 17/8/2017، وبحسب البندين الثالث والرابع منه، كان من المفترض مناقشة مسألتي وضع العقارات رقم 298 و299 و1374/المدوّر، ملك بلدية بيروت، بتصرّف الدولة اللبنانيّة، والعقار رقم 1382/المدوّر، ملك الدولة اللبنانيّة، بتصرّف بلدية بيروت، لإنشاء معمل معالجة النفايات عليه. علماً أن بعض هذه العقارات هي عبارة عن أراضٍ مملوكة من الدولة اللبنانيّة متروكة، وأخرى يقوم عليها كلّ من مسلخ بيروت والأسواق الشعبيّة وسوق السمك، وتقدّر مساحتها بنحو 60 ألف متر مربّع، إلّا أن الاعتراض على البندين، وتحديداً على مكان إنشاء المحرقة، أدّى إلى سحبهما عن جدول أعمال الجلسة، فأُجِّل بتّ موضوع المحرقة.

رجا نجيم: البلدية تستهبلنا وتبريراتها غير علميّة

تقول مصادر بلديّة إن «ممثلي القوات والكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي في المجلس البلدي اعترضوا على الأمر، لأن لكلّ منهم أجندته الخاصّة. فالاعتراض ليس ضد إقامة محرقة بالمطلق، بل على العقار المفترض إنشاؤها عليه. فالحزب الاشتراكي يعترض على إغلاق المسلخ الذي يعمل فيه عدد كبير من المحسوبين سياسياً عليه، فيما الأحزاب المسيحيّة تعترض لأن لديها خططاً لتطوير المنطقة سياحياً». يشير نائب رئيس التيار الوطني الحرّ، نقولا الصحناوي، إلى أن «اعتراض التيار على الموقع ينطلق من اعتبارين، فمطلبنا هو أن يكون هناك تقنيّة تؤدّي إلى التخلّص من النفايات دون التسبّب بتلوّث إضافي ناتج من الرماد ما بعد حرق النفايات، كذلك فإننا نعمل على وضع دراسة هندسيّة ومعماريّة لتطوير المحلّة وترتيبها، لكي تصبح امتداداً لبيروت الشرقيّة التي لا تملك أي منفذ إلى البحر»، فيما يؤكّد مسؤول الحزب التقدمي الاشتراكي في بيروت باسل العود، أن «الاعتراض ليس ضد المحرقة، باعتبار أنها قد تكون أحد الحلول الباقية لحلّ أزمة النفايات، لكون القدرة الاستيعابيّة للمطامر قاربت على الانتهاء، بل هو اعتراض على موقعها المرجّح أن يكون مكان المسلخ الذي نطالب بإعادة فتحه، إذ لا يمكن رئيس البلديّة أن يقرّر مشروعاً دون التفاهم مع أبناء هذه المنطقة».

المحرقة على سكّة سالكة!

تقول مصادر وزاريّة مطلعة على الملف إن «هناك إصراراً لدى تيار المستقبل لاعتماد المحرقة كخيار وحيد، وأن تكون محرقة لكلّ بيروت بقدرة استيعابيّة تصل إلى 3000 طن/يومياً، علماً أن بيروت تنتج نحو 650 طناً من النفايات يومياً، تحت حجة توليد نحو 8 ميغاوات من الكهرباء، علماً أن التأهيل المسبق للشركات فصّل على قياس أحد المقاولين المتوقّع أن يدخل شريكاً مع شركة أجنبيّة، فيشتري منها تكنولوجيا الحرق لينفّذ المشروع بنفسه». وتتابع المصادر نفسها قائلة إن هناك ثلاث مشاكل تعتري المشروع «أولها عدم الاتفاق على موقع المحرقة، سواء في برج حمود أو الكرنتينا. ثانيتها المشكلة المتولّدة عن كمية العوادم التي ستبقى. والمشكلة الثالثة بالتقنيّة التي ستسخدم ويُقال إنها قديمة وما عادت مستعملة في الدول التي تعتمد المحارق كخيار لمعالجة النفايات».
لا ينفي رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني سلوك المحرقة طريقها إلى التنفيذ، مشيراً إلى أن «التأهيل المسبق للشركات قد تمّ، ونحن في طور إعداد دفتر الشروط، ومجموعة من الدراسات البيئيّة بواسطة استشاريين أوروبيين، تمهيداً لشراء المحرقة، التي ستكون من أجدد أنواع مصانع التفكّك الحراري وبقدرة استيعابيّة تصل إلى 750 طن يومياً، مع إمكانيّة إضافة خطوط حرق إضافيّة بسعة 250 طن للخطّ الواحد، كذلك ستكون مرفقة بخطة فرز ومعالجة لتخفيف كمّية النفايات التي ستحرق». وعن السبب وراء سحب البند عن جدول الأعمال نتيجة الاعتراض على الموقع، يقول عيتاني إن «موقع المحرقة لم يحدّد بعد، وموضوع العقار 1382 مختلف وأُجِّل بتُّه، لكوننا كلّفنا استشارياً لوضع مخطّط توجيهي شامل لتطوير منطقة المدوّر».

البلديّة «عم تستهبل الناس»

تضمّ جبهة المواجهة المُعدّة، ضد محرقة بيروت، جمعيات المجتمع المدني والمسؤولين المحليين للأحزاب باستثناء تيار المستقبل. يجمع هؤلاء على رفض المحرقة نظراً إلى الآثار السلبيّة المترتبة عنها، صحياً وبيئياً.
تعدّد عضو بلدية البديل في «بيروت مدينتي»، زينة عبلا، المخاطر التي تحوم حول «محرقة بيروت» بكونها «ستكون ذات قدرة استيعابيّة تفوق حجم النفايات التي تنتجها مدينة بيروت، وترافق ذلك مع غياب أي خطّة للتقليل من النفايات عبر الفرز وإعادة التدوير، وهو ما يطرح علامات استفهام عدّة عن إمكانيّة حرق كل النفايات المُنتجة دون أي معالجة مسبقة»، وتضيف عبلا: «المحارق موجودة عالمياً، ولكن ضمن إطار تشريعي تنظيمي ورقابي، بينما في لبنان تختلف الأمور، إذ لا يوجد قانون حتى لإدارة هذا القطاع وتنظيمه، إضافة إلى غياب مختبرات قياس الانبعاثات المسرطنة. فضلاً عن أن مستوى الحالي يفوق المستويات التي توصي بها منظّمة الصحة العالميّة بنسبة 150%، وإضافة محرقة إلى بيئة ملوّثة أساساً وفي مدينة مكتظّة بالسكان، سيزيد الأخطار. إضافة إلى أن المحرقة ليست الحلّ الأفضل لنوعية نفاياتنا التي تشكّل النفايات العضوية نسبة 50% منها، وهي غير قابلة لتوليد الطاقة عند حرقها».
إلى ذلك، يشير الناشط البيئي رجا نجيم إلى أن «البلدية تستهبلنا، وتبريراتها غير علميّة، فهي بصدد جلب معمل تفكّك حراري أي محرقة تحتّم أن يكون هناك اتصال مباشر بين النفايات والنار، مع العلم أن الحرق لا يناسب نفاياتنا، لأن قيمتها الحراريّة غير كافية لتوليد طاقة، إلّا إذا جرى الحرق بعد إضافة مادة الفيول، بحسب تقرير رامبول الاستشاري الذي استعانت به البلدية، أو إذا جرى حرق كلّ النفايات دون أي فرز أو إعادة تدوير مع تقليل النفايات العضوية بنسبة 15%».