تعقد لجنة المال والموازنة النيابية جلسة، اليوم، وعلى جدول أعمالها بند معلّق من الجلسة السابقة يتعلق بالإنفاق الاستثماري المُدرج في موازنة وزارة الاتصالات والبالغ 750 مليار ليرة.
ستدرس اللجنة هذا البند في ضوء كتاب من وزير الاتصالات جمال الجراح يستجيب، جزئياً، لمطالب أعضاء اللجنة، وفي مقدمها تبيان المشاريع التي سيجري إنفاق هذه الأموال عليها، ولا سيما أن الفترة المتبقية قبل نهاية السنة لا تتجاوز 3 أشهر (على افتراض أن الموازنة أقرّت قريباً)، وضرورة إعادة ترتيب أولويات الإنفاق في كل الإدارات لخفضها أو إعادة توجيه قسم منها نحو حاجات أكثر إلحاحاً لدى إدارات أخرى.
في الجلسات السابقة للجنة المال والموازنة، التي خصّصت لدرس موازنة وزارة الاتصالات، تبيّن أن هناك اعتمادات مطلوبة بقيمة 750 مليار ليرة ضمن الباب الثاني (الإنفاق الاستثماري) من دون أي شرح او تبرير لوجهة الإنفاق وموجباته وأولوياته، إذ اكتفى مشروع الموازنة المحال من مجلس الوزراء بعرض الآتي:
- 66 مليار ليرة «تجهيزات»،
- 91 مليار ليرة «إنشاءات أخرى»،
- 5 مليارات «صيانة أبنية»،
- 15 مليار ليرة «دروس واستشارات»،
- 348 مليار ليرة «صيانة أخرى»،
- 225 مليار ليرة «إنشاءات أخرى» مدرجة بقانون برنامج يمتدّ على ثلاث سنوات ويتضمن إنفاقاً إجمالياً بقيمة 450 مليار ليرة.
هذه الاعتمادات وطريقة عرضها المبهمة أثارت شبهات عدد من النواب، الذين طالبوا وزير الاتصالات بتقديم الأسباب الموجبة لهذا الإنفاق. إلا أن الوزير الجراح، على مدى الجلسات السابقة، لم يستجب لهذه المطالب، إلى أن انفجرت القصّة بوجهه في الجلسة الأخيرة عندما شنّ رئيس اللجنة إبراهيم كنعان، والنواب: ياسين جابر، حسن فضل الله، علي فياض وأنور الخليل هجوماً عنيفاً عليه ورفضوا إقرار هذا الجزء من الموازنة ما لم يكن واضحاً وشفافاً. ردّ الجراح أن المشاريع متعلقة بشبكة الفايبر أوبتيك والإنترنت السريع 4G وبخدمة طلبات مجمّدة لأكثر من 100 ألف خطّ إنترنت وهاتف... لكن الجراح لم يلبث أن واجه منتقديه باتهامين؛ الأول أن تعطيل هذه المشاريع هو «ذو طابع سياسي»، والثاني هو أن الإدارة السابقة للقطاع (المقصود عبد المنعم يوسف) هي التي كانت تعطّل تطوير القطاع الذي بات يتطلب الكثير من المشاريع والتي لا يمكن إنجازها سريعاً ما لم تقر هذه الاعتمادات.

يطلب الجراح اعتمادات
بقيمة 750 مليار ليرة من دون
أي شرح أو تفصيل


تمكن المعترضون من تعليق موازنة وزارة الاتصالات لفترة طويلة، وكادوا أن يعلنوا انتصارهم على الجراح وشطب هذه الاعتمادات كلياً، أو على الأقل قسم كبير منها. لكن الجراح سارع الى إجراء اتصالات واسعة شملت رئيسَي الجمهورية ومجلس النواب، وإلى إرسال كتاب توضيحي إلى لجنة المال والموازنة النيابية يتضمن نبذة مختصرة عن المشاريع التي رُصد لها مبلغ الـ 750 مليار ليرة، مقترحاً إجراء خفوضات بقيمة 151 مليار ليرة بشحطة قلم، ووفق الآتي:
ــ حسم مبلغ 13 مليار ليرة من بدلات أتعاب نفقات الهيئة المنظمة للاتصالات، لتنخفض قيمة الأتعاب الإجمالية من 23 مليار ليرة، كما هي مدرجة ضمن مشروع موازنة 2017 إلى 10 مليارات ليرة.
ــ حسم مبلغ 30 مليار ليرة من «تجهيزات فنية متخصصة»، والتي يندرج ضمنها مشاريع «تحديث وتطوير السنترالات التي لزّمت مرحلتها الأولى من قبل أوجيرو». وبذلك تنخفض الاعتمادات المرصودة لهذا المبلغ من 45 مليار ليرة إلى 15 ملياراً.
ــ حسم مبلغ 3.5 مليارات ليرة من اعتمادات «صيانة أبنية متخصصة» من أصل 5 مليارات كانت مرصودة.
ــ حسم مبلغ 30 مليار ليرة من «مساهمات للنفقات الاستثمارية والتوصيلات لهيئة أوجيرو» لتصبح قيمة الاعتمادات المرصودة 58.9 مليار ليرة.
ــ حسم مبلغ 75 مليار ليرة من المبلغ المرصود ضمن السنة الأولى من قانون برنامج يمنح وزارة الاتصالات القدرة على إنفاق 450 مليار ليرة خلال ثلاث سنوات، بينها 225 مليار ليرة في 2017 و150 مليار ليرة في 2018 و75 مليار ليرة في 2019.
تضمن كتاب الجرّاح شرحاً مختصراً للمشاريع المنوي تمويلها من خلال قانون البرنامج بقيمة 450 مليار ليرة، لكنه لم يتضمن أي شرح آخر يتعلق ببقية المبالغ المطلوب إنفاقها. فالكتاب يتضمن بند «تجهيزات أخرى» لإنفاق 20 مليار ليرة على «توسعة وتطوير تجهيزات قيد التلزيمback bone network – DWDM &IMPLS». وتحت عنوان «إنشاءات أخرى»، لحظ مبلغ 91.5 مليار ليرة لـ«المرحلة السابعة من توسعة الشبكات ــ شبكات نحاس وألياف ضوئية»... أما المبلغ الوحيد الواضح في كتاب الجراح فيتعلق بمساهمة الوزارة في «أجور ورواتب مستخدمي أوجيرو بقيمة 141 مليار ليرة»، أما الباقي فهو كلام يتضمن عناوين عامّة لمشاريع مبهمة وبلا أي توضيح لحاجة القطاع إليها.
لا يزال النواب المعترضون في اللجنة غير مقتنعين بأن إنفاق مبلغ كبير يصل إلى 599 مليار ليرة (بعد اقتطاع وحسم 151 مليار ليرة) له مبررات وجدوى، وبالتالي سيصرون على تقديم تفسيرات عملية وتقنية لجدوى إقرار هذه المبالغ، ولا سيما أن الوقت المتاح أمام إنفاق هذه الأموال سيكون قصيراً جداً، إذا أقرت الموازنة خلال شهر آب أو شهر أيلول. يقول نائب في اللجنة إن الجراح رد على النقطة الاخيرة بالقول: «إن إقرار هذه الأموال في مجلس النواب يمنحه صلاحية عقد النفقة، وبالتالي يمنحه صلاحية إجراء التلزيم، على أن تصرف الأموال بعد توفّرها».
الاعتقاد السائد بين المعترضين في اللجنة هو أن الوزير يحاول المماطلة في تقديم التفسيرات لهذه المشاريع، وبالتالي يعزز الشبهات حول طبيعتها والهدف منها، ولا سيما أن عهد الوزير الجراح بدأ بمنح إحدى الشركات، المعروفة بملكيتها وإدارتها، امتيازاً مخالفاً للقانون والدستور وينطوي على احتكار لخدمة عامة.