صدر تقرير المستشارة المكلّفة من مجلس شورى الدولة، القاضية ثريا الصلح، في الشكوى المقدّمة من شركة «الجنوب للإعمار» ضدّ وزير الأشغال العامة والنقل (السابق غازي زعيتر) والطعن بقراره رقم 2012/6، الذي ألغى نتائج مناقصة تلزيم المرحلة الأولى من مرفأ عدلون، واستبدل بها استدراجَ عروض محصوراً.
خلص هذا التقرير إلى أنَّ قرار زعيتر «غير شرعي ومستوجب الإبطال»، وفنّد ذرائع وزارة الأشغال التي حاولت تبرير سلوكها بالاستناد إلى نظرية «السعر البخس»، إذ أشار إلى أنَّ «الكلفة التقديرية للمشروع مبالغ فيها».
يأتي هذا القرار بعد مرور سنة ونصف سنة على إصدار مجلس شورى الدولة قراراً إعدادياً فرض على زعيتر وقف تنفيذ قراره رقم 2012/6. يومها رفض زعيتر تنفيذ الحكم، مرتباً على الخزينة أعباءً إضافية بقيمة 3 مليارات ليرة، ولم يكترث للعبء الإضافي غير المباشر الذي قد يترتب على الخزينة جراء هذه الشكوى، ولا سيما أن فوز المدّعي بالقضية يرتب له حقوقاً بالحصول على مبالغ مالية نتيجة العطل والضرر اللاحق به بسبب قرار وزير الأشغال.
القصة بدأت في 23 كانون الأول 2014، حين عقدت جلسة تلزيم أشغال المرحلة الأولى في مرفأ عدلون في إدارة المناقصات. وبحسب محضر جلسة التلزيم، فإنه ورد خمسة عروض قُبلت جميعها نظراً إلى استيفائها الشروط المنصوص عليها. بعد فضّ العروض تبيّن أن العرض الأدنى هو من شركة «الجنوب للإعمار» بقيمة 4.88 مليارات ليرة، والعرض الذي يليها لشركة «الجهاد للتجارة والتعهدات» بقيمة 5.4 مليارات ليرة، والعرض الذي يلي لشركة «خوري للمقاولات» بقيمة 5.5 مليارات ليرة...
رغم ذلك، قرّر وزير الأشغال في حينه، غازي زعيتر، الاستعانة بالاستشاري الذي أبلغه أنَّ سعر الجنوب للإعمار هو أقل بنسبة 35% من الكلفة التقديرية. وبالاستناد إلى ذلك، أصدر زعيتر القرار 2012/6 الذي يلغي نتائج المناقصة ويستبدل بها استدراج عروض محصوراً دعا إليه الشركات الآتية: الشركة المتحدة للإنماء والتعهدات، مؤسسة يامن للتجارة العامة والمقاولات، مؤسسة نزيه بريدي للهندسة والمقاولات، شركة خوري للمقاولات، شركة فرحات غروب. وبحسب محضر التلزيم، فإنَّ ثلاث شركات قدّمت عروضاً مقبولة، وجرى فتح أسعارها على النحو الآتي: شركة خوري للمقاولات بقيمة 7.99 مليارات ليرة، مؤسسة يامن للتجارة العامة والمقاولات بقيمة 8.5 مليارات ليرة، عرض شركة فرحات غروب بقيمة 8.8 مليارات ليرة. وأُرسي التلزيم على شركة الخوري للمقاولات.
لا مجال للمقارنة بين أسعار المناقصة وأسعار استدراج العروض المحصور، ففي المناقصة التي فازت فيها الجنوب للإعمار، كان السعر 4.88 مليارات ليرة، أما السعر الذي فازت على أساسه الخوري للمقاولات، فهو يبلغ 7.99 مليارات ليرة، أي إنَّ الفرق بينهما 3.11 مليارات ليرة. استدراج العروض المحصور هو الباب الذي سلكته وزارة الأشغال العامة لإقصاء «الجنوب للإعمار»، لكنه باب لا تستطيع أن تخرج منه أمام القضاء، إذ إنَّ مجلس شورى الدولة أصدر في 15 تشرين الأول قراراً بوقف تنفيذ قرار زعيتر رقم 2012/6 الصادر في 16 آذار 2015، بعدما ثبت لديه أن المراجعة تنطوي «على أسباب جدية»، وأنَّ هناك «ضرراً بالغاً لحق بالمستدعي (الجنوب للإعمار)».

الشركة المدعية تتحضر
للمطالبة بعطل وضرر بقيمة توازي قيمة المشروع


بالنسبة إلى زعيتر، تصرّف كأن قرار مجلس الشورى ليس موجوداً، واستمر بعملية التلزيم لشركة خوري للمقاولات. لكن القضية لم تنتهِ عند هذا الحدّ، فالتحقيقات لدى مجلس شورى الدولة استمرّت وفق المسار القانوني الذي ينتهي بصدور حكم نهائي ضمن المهلة التي تنتهي يوم السبت المقبل. ضمن هذا المسار، يصدر تقرير للمستشارة المكلفة إجراء التحقيقات، وهو التقرير الذي يحدّد وجهة القرار النهائي بالدعوى في أغلب الحالات، وهو تقرير ينشر في الجريدة الرسمية مقترناً بموافقة مفوض الحكومة أو برفض المعلل له.
وبالفعل، نُشر تقرير المستشارة في الجريدة الرسمية بتاريخ 6 نيسان الماضي، وجاء مذيلاً بموافقة مفوض الحكومة. درس القرار مجموعة من ادعاءات الشركة المدعية ومن ردود وزارة الأشغال عليها، وخلص إلى القول إنَّ محور هذه القضية يتعلق بما إذا كان «بوسع سلطة التصديق على المناقصات الامتناع عن التعاقد مع الملتزم الذي قدّم أسعاراً أدنى من الأسعار التقديرية للمشروع». ويشير التقرير إلى أنَّ دراسة الأسعار التقديرية الموضوعة من قبل «Liban consult» لإنشاء كامل السنسول الرئيسي لزوم مرفأ عدلون هي 19 مليار ليرة، غير أن أسعار الشركات العارضة كلها التي اشتركت في المناقصة الأولى جاءت أقل من الكلفة التقديرية للمشروع. لا بل تبيّن أنَّ «المناقصة الثانية رست على شركة خوري للمقاولات على أساس السعر المقدم بقيمة 7.882 مليارات ليرة»، أي أقل من الكلفة التقديرية!
لذا، خرجت القاضية ثريا الصلح باستنتاج واحد، مفاده أنَّ «الكلفة التقديرية للمشروع مبالغ فيها، إذ إنه في المناقصتين المنفذتين جاءت أسعار العارضين أدنى منها». وأوضحت القاضية في تقريرها أنَّ تدني أسعار العارضين بالنسبة إلى الكلفة التقديرية، إنما «مرده بحسب الدراسة المشار إليها (ليبان كونسيلت) إلى توافر مصادر للموارد الصخرية وقربها من موقع تنفيذ المرفأ، كما يعود لسياسة الشركة العارضة لجهة احتساب كمية الربح وتأمين العمل لمعدات الشركة ويدها العاملة وجهازها الفني».
وتشير القاضية إلى أنَّ تدني أسعار العرض بالنسبة إلى الكلفة الإجمالية للمشروع «له أسباب واقعية تبرره، وطالما أنَّ الإدارة في العقود الإدارية تمتلك سلطات واسعة تمكنها من مراقبة التنفيذ وفرض عقوبات بحق المتلكئ تأميناً لحسن التنفيذ، وطالما أنَّ القانون لم يعتبر التقدّم بأسعار أدنى من السعر التقديري سبباً لرفض الالتزام الراهن في مناقصات أخرى، فإنَّ قرار وزير الأشغال العامة والنقل المطعون فيه يكون بناءً على كل ذلك، غير شرعي ومستوجب الإبطال».
إذاً، ما هي الخطوة التالية لشركة الجنوب للإعمار بعد صدور تقرير المستشارة؟ يجيب وكيل الشركة المحامي علي كمال عبّاس، أن تقرير المستشارة هو تأكيد لصحّة قرار وقف التنفيذ الذي امتنع الوزير عن تنفيذه مرتين، وهذا يثبت ويحفظ حق الشركة بالمطالبة بعطل وضرر بعد صدور القرار النهائي المتوقع في خلال شهر أيار. «الشركة تعدّ حالياً الإجراءات للمطالبة بعطل وضرر نتيجة إلغاء المناقصة بقيمة توازي قيمة المشروع، وهذا الأمر يعني أنَّ كلفة المشروع باتت مضاعفة، وهو يستدعي تحرك النيابة العامة المالية للتحقيق في هدر المال العام».