فُتح نقاش أمس حول مخاطر التنقيب عن النفط والغاز، قد لا يعود ويفتح إذا ما بدأت التلزيمات في هذا القطاع. فكما حصل في بلدان متقدمة ونامية شبيهة، عندما تنطلق عجلة الشركات الكبرى المستثمرة في قطاع حساس كالنفط، يبدأ "الاستثمار" أيضاً في مراكز الأبحاث والجامعات والإعلام والمجتمع المدني... وعندها قد لا تتوافر المنابر للاعتراض أو لإبداء الملاحظات العميقة حول الملف. هذه النقطة شكلت مسك ختام الندوة التي دعا إليها النادي العلماني في الجامعة الأميركية في بيروت.
فالمداخلات فتحت أسئلة عدة كان مسكوتاً عنها في الخطاب الرسمي المروّج والإعلام المتحمس والمجتمع المدني المنبهر أو المندمج. أهم هذه الأسئلة تناولت الموضوع من أسسه غير المتداوَلة مثل: كيف جري تبني خيار التنقيب عن النفط والغاز، من دون أن يكون في لبنان استراتيجية بيئية أو استراتيجية للتنمية المستدامة (ضمنها استراتيجية للطاقة)؟ استراتيجية تأخذ بالاعتبار إمكانات لبنان الطبيعية (النظيفة) لإنتاج الطاقة من كل مصادرها (كتدفق المياه والشمس والهواء...)، ولا سيما تلك المستدامة كأولوية على تلك الملوثة والناضبة... ومن دون أن تؤخذ بالاعتبار القدرات المؤسساتية على إدارة قطاعات كهذه، والاستخدامات والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاتجاهات الدولية في سياسات الطاقة الإقليمية والدولية... إلخ وكيف جرى الإسراع في إنتاج القوانين والمراسيم النفطية، ولم يُسرَّع إنتاج قوانين حفظ الطاقة وترشيد استخدامها ولا القوانين المشجعة للإنتاج من مصادر متجددة بدأت المطالبة بها منذ أكثر من عشر سنوات؟
أما السؤال الأبرز الذي طرح والذي يفترض أن تحمله النوادي العلمانية الشبابية في الجامعات، كيف لنظام طائفي يقوم على المحاصصة وينخره الفساد، أن يدير قطاعاً تعظم فيه المخاطر وتضعف فيه الدول الكبرى أمام طغيان الشركات... أن يدير قطاعاً كهذا؟!
لعل أكثر الأجوبة التي كانت مبعثاً للضحك والسخرية عندما جرى الحديث عن إمكانية أن يطرح ما يسمى "المجتمع المدني" برامج للمراقبة وما يسمى "الشفافية". هذه التعابير التي اخترعتها الشركات - الدول لتبرير استباحتها لموارد الشعوب النفطية وغير النفطية، فتأخذ كل شيء بموجب قوانين غامضة ومراسيم تصوغها هي لمصلحتها ومن ثم، تغنم ما استطاعت وتترك الفتات المتساقط عن مواقدها، والتلوث المنبعث من نشاطها الإنتاجي في مراحله كافة، بعد أن تكون قد خربت الاقتصاد، وضربت القطاعات الحساسة الأخرى وصغار الحرفيين والصيادين وحولت الاقتصاد إلى اقتصاد ريعي، وضربت الثقافة والتراث المتهالك أصلاً، بعد تحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات استهلاكية بكل المقاييس؟ وينتقل الصراع في لبنان من مطالبة الدولة بالتدخل في الاقتصاد وإنصاف العمال وحفظ الموارد وحقوق الإنسان والأجيال القادمة إلى مطالبة الشركات بكذبة "مسؤولية الشركات"، التي تعني توزيع بعض الأموال على جمعيات المجتمع المدني، بدل أن تدفع العائدات الحقيقة للدولة!
كذلك استُهجن الحديث عن "الصندوق السيادي"، إذ كيف يمكن أن تتحدث دولة انتُهكَت سيادتها على الموارد بفعل قوانين ومراسيم صيغَت لمصالح الشركات، عن "صندوق سيادي"، وهي نفسها مجموعة سيادات إقطاعية طائفية؟
ومن يضمن ألّا تحصل نزاعات على هذا القطاع كما يحصل عادة على قطاعات أقل شاناً من الناحية المالية، وتتحول هذه الموارد إلى لعنة، فنخسر السيادة على الموارد والبيئة والاقتصاد معاً؟