تحدّى 14 ناشطاً في الحراك المدنيّ سطوة القضاء العسكري، متمسّكين بمبدأ رفض محاكمة مدنيين أمام القضاء العسكري. صحيح أن محاكمة 5 منهم بتهمة "معاملة قوى الأمن بشدّة" مستمرّة أمام هذا القضاء، إلّا أنهم نحجوا في فصلها عن تهمتي "تخريب الأملاك الخاصّة والشغب" خلال تظاهرة 8 تشرين الأوّل 2015 المعروفة بـ"تظاهرة لو غراي"، والتي يحاكمون بها أيضاً، وأحيلت إلى القضاء العدلي، ليعود القضاء العسكري بذلك إلى الحجم المُعطى له بموحب القانون، وهو يبقى حجماً ذا صلاحيات واسعة تناقض أبسط مبادئ الديموقراطيّة وشروط المحاكمة العادلة والمتمثّلة بضمان حقّ المتقاضي بقضاء مستقلّ لا يخضغ لتراتبيّة مؤسّساتيّة (كتلك التي تحكم المؤسّسات العسكريّة)، تجرّده من استقلاليته وحياده، وتجرّد العدالة من مفهومها، باعتبار أن الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة لا تُعلّل.
أمس، بتّت المحكمة العسكريّة مذكّرة "الدفوع الشكليّة" التي قدّمها وكلاء الدفاع عن متظاهري 8 تشرين الأول 2015، وتتعلّق برفض محاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكريّة كمبدأ عام، إضافة إلى عدم صلاحيّة هذه الجهة في بتّ جرائم الشغب وتخريب الأملاك الخاصة في الأساس، لما قد يشكّل ذلك من خطورة على العدالة والحرية والحقّ بالتظاهر، وربطهما بجرم "معاملة قوى الأمن بشدّة". وأعلنت المحكمة عدم صلاحيّتها لمحاكمة المتظاهرين وعددهم 14، بتهم الشغب وتخريب الأملاك الخاصّة، محيلة الملف إلى القضاء العدلي، فيما أُرجئت محاكمة 5 من ضمنهم بتهمة معاملة الأمن بشدّة حصراً إلى 24 نيسان المقبل. وقد تُلي القرار على المتهمين خلال الجلسة، أمس، والتي لم يتمكّن وكلاء الدفاع من حضورها لالتزامهم بقرار نقابتهم الامتناع عن حضور الجلسات احتجاجاً على تقصير العطلة القضائيّة وإلغاء تقديمات صناديق تعاضد نقابة المحامين.

أعلنت المحكمة العسكريّة
عدم صلاحيّتها لمحاكمة المتظاهرين

يحاكم أمام القضاء العسكري 14 شاباً، شاركوا في تظاهرات "الحراك المدني" الذي انطلق في صيف 2015، احتجاجاً على أزمة النفايات قبل أن تتحوّل إلى مواجهة مع النظام الذي جابههم بقمع مُمنهج، وهم اعتقلوا بعد ما سمي تظاهرة "لو غراي" وأوقفوا في ثكنة الحلو، وصدر قرار ظنيّ عن قاضي التحقيق العسكري الأوّل رياض أبو غيدا قضى بالادّعاء على كل من: رامي محفوظ، بيار الحشّاش، فايز ساسين، حسين ابراهيم ووارف سليمان بموجب المواد 346 و348 و381 و733 من قانون العقوبات لتشكيلهم جماعات شغب، ومقاومة القوى الأمنيّة بالعنف والشدّة ورشقهم بالحجارة، وتخريب ممتلكات الغير، وعدم تفرّقهم إلّا بعد استعمال القوة بحقهم، وكلّ من: يوسف الجردي (توفي منذ أشهر بصعقة كهربائيّة)، علاء فقيه، زين نصر الدين، حسام غولي، محمد الترك، محمد موسى، خضر أبو حمد، سينتيا سليمان، ليال سبلاني وضياء هوشر بموجب المواد 346 و348 من قانون العقوبات لتشكيلهم مجموعات شغب خلال الحراك، وعدم تفرّقهم إلّا بعد استعمال القوّة.
إحالة المتهمين إلى القضاء العدلي هي بمثابة ضمانة بمحاكمة عادلة بعيداً من السرعة والإجراءات المتشدّدة التي تحكم القضاء العسكري، وأكثر تحديداً هو تصويب للعدالة، إذ لم يكن من المفترض إحالة الملف إلى المحكمة العسكريّة أساساً، بعدما مرّ عبر مفوّض الحكومة وقاضي التحقيق، وكلاهما قاضيان عدليان لم "يلحظا" أن هذه التهم لا تدخل ضمن صلاحيّة المحكمة العسكريّة، بحسب وكيلة المتظاهرين المحامية غيدة فرنجيّة، التي ترى أن هذا التطوّر "يحفظ حقّهم بمحاكمة أمام القاضي الطبيعي ولا يحرمهم من درجات المحاكمات (أي الاستئناف والتمييز)".
قانوناً، ما حصل هو الإجراء الطبيعي باعتبار أن صلاحيّات المحاكم العسكريّة اللبنانيّة التي أنشئت استثنائياً مُحدّدة ومعروفة ولا تشمل "الشغب وتخريب الأملاك الخاصّة"، وهو ما تلطّت وراءه السلطة الحاكمة لترهيب الشباب وقمع التظاهرات، إلّا أن الواقع لا يترجم ذلك، تقول فرنجية: "المُمارسة والواقع مختلفان، صحيح أن القرار بديهي، إلّا أنه لو لم نقدّم الدفوع الشكليّة، ويرفض الموكلون مبدأ مقاضاتهم باعتبارهم مدنيين أمام هذه المحاكم، لاستمرّ ربط التهم المناط الفصل فيها بالقضاء العدلي (الشغب والتخريب) بتلك التي تدخل ضمن صلاحيّات القضاء العسكري (معاملة الأمن بشدّة)، رغم عدم جواز التلازم لعدم وجود جناية كما هو منصوص قانوناً، وما كان لينظر أحد في صلاحيّة هذه المحكمة، وهو ما كان ليجبر أولئك الشباب على المساومة على حقوقهم، كما يفعل كثيرون، للتخلّص سريعاً من إجراءات هذه المحكمة". وتضيف فرنجيّة: "لقد سجّل المتظاهرون موقفاً، ولو أنهم دفعوا الثمن حضور عدد أكبر من الجلسات أمام القضاء العسكري، إذ إن الخضوع لمبدأ مثول مدنيين أمامه المرفوض بالمبدأ والمفروض بموجب قانون إنشاء هذه المحكمة في لبنان، لا يعني السماح لهذه المحكمة بتجاوز صلاحياتها الممنوحة قانوناً".