نجحت تظاهرة ساحة رياض الصلح، أمس، في إعادة الناس إلى الشارع، بعد أقل من سنتين على احتجاجاتهم المُطالبة بحلّ أزمة النفايات. جمعت أفراداً وعائلات وجماعات ومحازبين، من مختلف الفئات والأعمار؛ شارك فيها الأستاذ في التعليم الرسميّ الذي غبنته السلسلة بنسختها الأخيرة المشوّهة، والعسكري المتقاعد، وستينيّ هاجر أولاده بحثاً عن لقمة العيش، ومستأجر مهدّد بفقدان السقف الذي يؤويه، وعامل يطالب بتصحيح الأجور، وشباب عاطلون من العمل، وأساتذة وطلاب جامعات، ومحامون، وناشطون في المجتمع المدني.
حتى بعض مناصري أحزاب في السلطة (كالحزب التقدمي الاشتراكي) شاركوا في التظاهرة، إلى جانب مناصري أحزاب معارضة مثل الحزب الشيوعي والمنتدى الاشتراكي والتنظيم الشعبي الناصري وحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار...
تعدّدت تعبيرات المشاركين، ولكنها صبّت بمعظمها في رفض أي ضرائب تصيبهم في استهلاكهم وحاجياتهم الاساسية، وطالبوا بتحميل من يربح العبء الضريبي، وبمكافحة الفساد والهدر... وأعلنوا عدم ثقتهم بالسلطة القائمة.
بقيت المظاهرة "هادئة" كما أرادها "المنظّمون" على الرغم من صخب الشعارات والهتافات حتى الثانية بعد الظهر، حين احتدم الموقف نتيجة الاختلاف على الشعارات بين بعض المشاركين، فانسحب حزب الكتائب من الساحة رفضاً لـ"تصرّفات غير لائقة قام بها مقنّعون، تهدّد سلميّة التحرّك، وتتمثّل في رمي العبوات الزجاجيّة والمفرقعات"، بحسب ما صرّح مسؤولون في الحزب، علماً بأن المنظّمين قاوموا بشراسة لافتة كل محاولة للاحتكاك بقوى الأمن الداخلي أو "الشغب".

نحاس: ثمة إمكانيّة لإحداث
تغيير ما في اللعبة التي يديرها أقطاب المال والسياسة


إلا أن الوضع كاد ينفجر فعلياً بعد أن اتصل رئيس الحكومة سعد الحريري طالباً مخاطبة الشباب عبر الميكروفون، وهو ما رفضه المنظّمون. فتوجّه إلى الساحة بخطوة لربّما أراد منها استقطاب التأييد والرضى الشعبيّين. وتحت رشقات عبوات المياه الموجّهة نحوه، أصرّ الحريري على مخاطبة المتظاهرين، وقال إن "الحكومة ستكون إلى جانب وجع الناس، وأنا أتيت إلى هنا لأقول لكم إننا سننهي الفساد والهدر، ونكمل المسيرة معكم، لأننا أتينا بثقة الناس". غادر الحريري خائباً مع ارتفاع الصيحات المطالبة برحيله، وغرّد عبر تويتر طالباً "تشكيل لجنة لرفع المطالب لمناقشتها بروح إيجابيّة".
يقول الناشط واصف الحركة إن "قدوم الحريري استفزّ الشباب الذين كانوا يستعدون للمغادرة فبقوا"، وتابع: "نحن نرفض التفاوض مع أحد في السلطة، ومطالبنا واضحة، وتتمثّل في إعداد موازنة شفّافة، وفرض ضرائب على الأرباح العقاريّة وأرباح المصارف، والحدّ من الهدر والفساد، وهو بصفته رئيس حكومة يمكنه استرداد الموازنة وتلبية هذه المطالب والعمل على سياسة اقتصاديّة وضرائبيّة عادلة".
نجحت التظاهرة في رسم بداية مواجهة مع السلطة، بحسب الأمين العام لـ"مواطنون ومواطنات في دولة"، شربل نحاس، الذي رأى أن "هناك إمكانيّة لإحداث تغيير ما في اللعبة التي يديرها أقطاب المال وأقطاب السياسة"، مشيراً إلى أن "هذا التحرّك الأوّل كان هدفه استعادة نبض الشارع لخوض المواجهة مع السلطة". لكن ذلك يتطلّب استراتيجيّة ما زالت مفقودة في عمل الحراك، وتحديد القوى الفاعلة والقادرة على إحداث هذا التغيير.
التحرّك المقبل سيترافق مع أول جلسة نيابيّة ستحدّد لاستكمال المناقشات الضرائبيّة، بحسب الناشطة نعمة بدر الدين، أمّا في حال طيّرت الجلسة مجدّداً، فإن "العودة إلى الشارع ستكون يوم الأربعاء المقبل للضغط على النواب لتحقيق مطالبنا». وإلى حينه ستشكّل القوى المشاركة في المظاهرات ــ «مواطنون ومواطنات في دولة»، الحزب الشيوعي، «بدنا نحاسب»، مجموعة الضباط المتقاعدين، «طلعت ريحتكم»، حزب الكتائب، قدامى المستأجرين، الأساتذة الثانويون، و«من أجل الجمهورية» ــ لجنة مصغّرة لتحديد الإطار التنسيقي لاستكمال التحرّكات.