استدعى قاضي التحقيق الأول في بيروت المدير العام للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي محمد كركي، للمثول امامه اليوم ، كمدعىً عليه، في شكوى جزائية مقدمة من المواطن بلال مهدي، ضمن دعاوى قضائية تقدّم بها نشطاء في الحراك الشعبي في العام الماضي. الشكوى ليست محصورة بكركي، بل بـ"كل من يظهره التحقيق، فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً أو محرضاً، بتهمة الإهمال في الأداء الوظيفي واستغلال النفوذ والرشوة والهدر والإختلاس وتبديد في الأموال العمومية".وفق نص الشكوى التي حصلت "الأخبار" على نسخة منها، يعرض مهدي لوقائع تتعلق بـ"الإهمال المتعمّد الذي أدّى إلى خسائر جسيمة في الأموال العمومية، وأضرار بالغة لحقت بالمضمونين، بسبب التأخر في تطبيق قرار شراء الصندوق لأدوية الأمراض السرطانية والمستعصية من الوكيل مباشرة بالإتفاق مع وزارة الصحة". تستعرض الشكوى المسار الذي بدأ عام 2008 بعد الحصول على رخصة من "الصحة" فتح صيدلية وفقا للأصول وموافقتها على أن يشتري الصندوق أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية من الوكيل مباشرة، بموجب استدراج عروض غبّ الطلب، ما يحقق للصندوق كسباً بمعدل 22%، وحسماً إضافياً يجريه الوكيل على العرض بنحو 10%. وعليه، يدفع المريض من سعر الدواء 5% فقط في مقابل الـ 95 في المئة التي يتحملها صندوق الضمان.
الاستدعاء جرى على خلفية شكوى جزائية مقدمة من بلال مهدي

بحسب الشكوى، توصل مجلس إدارة الصندوق في الجلستين عدد 226 و227 بتاريخ 10 و13 كانون الأول 2008 إلى إقرار النظام المتعلق بشراء تلك الأدوية، متخذاً القرارين الرقم 451 و452 اللذين نالا موافقة سلطة الوصاية، بعد استطلاع رأي مجلس شورى الدولة بموجب القرار الرقم 46/1 تاريخ 6/5/2008، بحيث أصبح نافذاً من تاريخه. وبغرض تنفيذ القرارين، أبدت أمانة سر الصندوق حاجتها إلى أربعة صيدلانيين لإدارة "وحدة توزيع الأدوية". الأربعة عينوا عن طريق مجلس الخدمة المدنية بموجب القرار الرقم 370 تاريخ 28/4/2009 المتخذ في الجلسة عدد 228.
بالتزامن، أقر مجلس الوزراء في 12 آذار 2009، توحيد تعرفات الأعمال والخدمات الطبية واعتماد البدل المقطوع لدى كافة المؤسسات الضامنة الرسمية. إلا أن الصندوق الوطني لم يكن قد حسم موقفه من إلزامية تطبيق قرار التوحيد. موقف انعكس في بيان صادر عن مجلس إدارته بعد نحو 10 أيام جاء فيه إن "مجلس إدارة الصندوق يقر بضرورة تعديل وتوحيد تعرفة الأعمال والخدمات الطبية شرط تأمين التمويل اللازم لها". ولحظ البيان قرار تعديل سعر أدوية العلاج الكيميائي وبعض أدوية الأمراض المستعصية، إلا أنه وبرغم موافقة سلطة الوصاية عليه، تعثر بسبب عدم حماسة نقابتي الصيادلة والمستشفيات بحجة أن حقوقها ستهدر. حماسة لم تكن بعيدة عن تجار الأدوية. البيان ذاته وعد بأن مجلس إدارة الصندوق مستعد لدرس اقتراح وزير الصحة الرامي إلى توفير أدوية العلاج الكيميائي والأمراض المستعصية بسعر أقل من 20% من سعر الدواء الحقيقي فور ورود الإقتراح إليه".
أجّل مجلس الإدارة تنفيذ القرار لتبريرات عدّة إلى أن صدر تصريح لوزير الصحة يهاجمه على خلفية عدم تطبيق اتفاق "شراء أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية مباشرة وإيصالها إلى المضمونين". في 24 آذار 2010، عقد المجلس جلسة توافق فيها على ضرورة تنفيذ الإتفاق فوراً، فحصل على مذكرة خطية من كركي تقول: "تسهيلا للأمر، طالما أصبح لدينا صيادلة والمجلس لديه الوجهة بتنفيذ قراره، فلتتوقف المفاوضات التي يجريها معالي وزير العمل مرتين بالأسبوع حول الموضوع، واعتباراً من صباح الغد سأصدر مذكرة لتطبيق قرار المجلس".
ذلك الغد منذ ست سنوات. فما الذي حصل؟. لم يأت صباح الغد الذي تحدث عنه كركي، برغم المراجعات المتكررة من قبل أعضاء مجلس الإدارة، وآخرها بحسب الشكوى، في حزيران الماضي. خلال السنوات الست "أهدر ما يفوق 100مليار ليرة لبنانية من المال العام بسبب عدم تنفيذ الإتفاق وتكبد المضمونون المرضى الذين يسددون ثمن الأدوية بالسعر التجاري تكاليف وأضرارا جسيمة، في الوقت الذي يقبض فيه الصيادلة الأربعة رواتبهم من دون مهمة توكل إليهم".
اليوم، من المفترض أن يمثل كركي كمدعى عليه بتهمة عدم تنفيذ الإتفاق وما تسبب به من هدر للمال العام وتكاليف للمرضى المضمونين. يطلب صاحب الشكوى من القضاء "تعيين خبير يثبت حجم الأموال المهدورة". وعن كركي، يستند في اتهامه إلى المادة 5 من النظام الداخلي للصندوق، التي تنص على ان المدير العام "مسؤول عن تنفيذ قرارات المجلس وعن إدارة أمانة سر الصندوق". وجاء في المادة الأولى حول صلاحياته: "يقوم بتأمين سير الأعمال في أمانة سر الصندوق تحت إشراف مجلس الإدارة". ووفق المادة الخامسة، فإنه "يراقب بانتظام سير العمل ويصحح الأخطاء ويسعى إلى تلافي أسبابها ويبين لمجلس الإدارة الصعوبات التي يصادفها، ويقترح الحلول المناسبة لوضع حد لها". واذا لم يقم بواجبه، فإن المادة 373 من قانون العقوبات تقول:" إذا ارتكب الموظف في الإدارات أو المؤسسات العامة أو البلديات من دون سبب مشروع إهمالاً في القيام بوظيفته أو لم ينفذ الأوامر القانونية الصادرة إليه عن رئيسه، عوقب بالحبس حتى سنتين وبالغرامة من مئتي ألف ليرة إلى مليون ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين. وإذا نجم عن هذا الفعل ضرر بمصالح الإدارات والمؤسسات والبلديات المعنية، تشدد العقوبة وفقاً لنص المادة 257، ويمكن أن يحكم عليه بغرامة تعادل قيمة الضرر".