الكهرباء مقطوعة في ضاحية بيروت الجنوبية. غالبا، لا علاقة مباشرة للتقنين المعلن بهذا الإنقطاع، إذ ثمّة عامل «أكثر أهمية» يتعلّق بعدم قدرة الشبكة التي تغذي المنطقة بالتيار الكهربائي على تحمّل الضغط، اذ يفوق "الطلب" على التيّار «العرض» كثيرا. وفي عودة إلى ما قبل أربع سنواتٍ، وتحديداً إلى عام 2012، يمكن تثبيت ما يحصل في مناطق الضاحية بالأرقام. ففي دراسة قامت بها مؤسسة كهرباء فرنسا (نشرتها الأخبار تحت عنوان: لغز الكهرباء في الضاحية)، يمكن تفنيد الحال بالأرقام. تلك الأرقام التي لا تزال سارية المفعول، حتى مع مرور هذا الوقت. وفق تلك الدراسة، يراوح معدّل التقنين الرسمي في لبنان، استناداً لبيانات وزارة الطاقة، ما بين 51% و55% في أشهر الصيف. أما في الضاحية، فالنسبة تبدأ عند الـ67% ولا تنتهي عند الـ90%. أما السبب؟ فهو «العرض» المحدّد بـ200 ميغاوات، في مواجهة "طلب" يصل إلى حدود 410 ميغاوات في أوقات الذروة. هذا «اللاتوازن» يؤدي إلى تعرّض الشبكة الموجودة لضغطٍ هائل، سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة الأعطال وزيادة ساعات انقطاع الكهرباء تالياً. يؤكد ذلك رئيس مجلس الادارة- المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك. ففي كلمة له خلال وضع الحجر الأساس للمحطة عام 2014، يقول إن هذه المنطقة "تعاني تدننيا بالفولتية وانقطاع عدد من مخارج التوتر المتوسط نتيجة الحمولة الزائدة، حيث تصل حمولة بعض المخارج إلى 130 في المئة من طاقتها الاسمية، وذلك نتيجة بُعد مصادر التغذية نسبياً وزيادة الطلب على الطاقة".لكن، قد تصبح مفاعيل هذه الأرقام من الماضي في ظلّ الحديث عن بدء تشغيل محطة تحويل الكهرباء الجديدة في المنطقة، مطلع أيار المقبل. وهنا، يتحدّث المشرفون على هذه المحطة عن مرحلة ما بعد دخول المحطة حيز التنفيذ، التي جرى استملاك أرض لها في منطقة الحدث العقارية، أواخر عام 2009.
تبلغ كلفة التنفيذ الاجمالية حوالي 45 مليون دولار

يشير مستشار وزير الطاقة لشؤون النقل، زكريا رمال، الى أن محطة الضاحية هي محطة تحويل رئيسية للكهرباء وليست محطة توليد، مهمتها تحويل الكهرباء من توتر عال 220 كيلوفولت إلى توتر متوسط 20 كيلوفولت أو 11 كيلوفولت، توزع بعدها على محولات الأحياء التي تحولها بدورها إلى توتر منخفض 220 فولت، أما سعة المحطة التحويلية فهي 210 ميغاوات، وتتشكل من ثلاثة محولات، قوة كل واحد منها 70 ميغاوات وبذلك تكون أكبر محطة تحويل رئيسية في لبنان، أهميتها أنها تتغذى مباشرة من معامل الانتاج ومن شبكة 220 كيلوفولت دون المرور بالتوتر 150 كيلوفولت أو 66 كيلوفولت التي كانت معتمدة في الضاحية، وفي 70% من محطات التحويل في لبنان، الأمر الذي يحول دون خسارة الكهرباء بسبب بعد المسافات أو ما يصطلح عليه بالهدر الفني الذي يقدر بـ 14% من الطاقة المنتجة.
ويجزم رمال بأن هذه المحطة ستساهم عبر تغطيتها لمعظـم المناطق القريبـة منها مثل الحدت، الشويفات، المريجة، الليلكي، برج البراجنة، حارة حريك، الحازمية وغيرها... في توزيع طاقة اضافية الى هذه المناطق عبر التوتر المتوسط، وفي تحسين مستوى ونوعية التوتر (Voltage)، وفي تحسين معدل التغذية، وفي تخفيف الضغط على محطات التحويل المجاورة عبر إستيعاب جزء من المخارج التي تتغذى من هذه المحطات كمحطة عرمون والمطار والحازمية والحرش والشويفات، أي المحطات التي كانت تتولى أساساً امداد الضاحية بالتيار الكهربائي، لكنه لا يستطيع أن يعطي مؤشراً عن نسبة هذا التحسن، لأن معدل التغذية كما يشرح يعتمد على ثلاث مسائل هي: "الانتاج، النقل والتوزيع، ومحطة الضاحية تحلّ مشكلة اساسية وهي التحويل أي نقل الكهرباء من معامل الانتاج إلى المنطقة"، ففي السابق كانت الضاحية لا تستطيع أن تتزود بالكهرباء حتى لو زادت القدرة الانتاجية لمعامل الانتاج!
تبلغ كلفة التنفيذ الاجمالية حوالي 45 مليون دولار. من المتوقع أن ينتهي العمل بالمشروع في أيار 2017، بحسب رمال.
يذكر أنه بالتوازي مع محطة الضاحية يجري إنشاء محطة تحويل رئيسية في الأشرفية في بيروت وفي البحصاص في طرابلس وفي الشراونة في بعلبك وفي صيدا.
تبقى المشكلة في الانتاج والتوزيع، إذ تبلغ القدرة الانتاجية القصوى لكل معامل الانتاج حوالى 1500 ميغاوات (في حال عدم تعطل أي من مجموعات الانتاج)، يضاف إليها حوالى 270 ميغاوات تنتجها البواخر المستأجرة، ليصل الانتاج العام الحالي في حدوده القصوى إلى 1770 ميغاوات، فيما الطلب على الكهرباء يتعدى 3200 ميغاوات، فيكون العجز بذلك 1430 ميغاوات، كانت خطة النهوض بقطاع الكهرباء التي أعدها الوزير الأسبق جبران باسيل وأقرها مجلس الوزراء بتاريخ 30/06/2010، قد التزمت إنتاج 1740 ميغاوات بعد إنشاء معامل إنتاج جديدة وتأهيل تلك الموجودة حالياً، إلا أن المشاريع المقترحة بقيت حبراً على ورق بسبب سوء الإدارة حيناً والتجاذب السياسي حينا آخر، في قطاع يكلف الدولة سنوياً حوالى 2 مليار دولار دون نتيجة. أما في موضوع التوزيع، فقد اقترحت الخطة نفسها تولي شركات خاصة تقديم خدمات التوزيع والجباية، وكان الهدف تطوير خدمات التوزيع لتقليص الهدر الفني وغير الفني الذي يصل إلى 40% من الطاقة، وتركيب 1.4 مليون عداد ذكي إضافة إلى تحسين الجباية، الآن، وبعد مرور أربع سنوات على تولي الشركات إدارة هذا القطاع، لا شيء من هذه الأهداف تحقق، ولا يزال التخبط سيد الموقف، اذ يجري التمديد للشركات شهراً بعد شهراً، على الرغم من انتهاء عقودها في 31 آذار الماضي.
إذاً، المشروع المنتظر قد لا يكون على قدر الآمال التي علقها أهالي المنطقة عليه، والذي انتظروه منذ عام 1996.