strong>سحر ناصر
  • سبعة مطاعم جديدة وألف متجر ومكتب وأربعون مصرفاً... والطلب إلى تزايد


  • يشهد شارع الحمرا افتتاح العشرات من المطاعم والمقاهي، حيث تتنوع الأجواء والنكهات من الإيطالية والصينية إلى الفرنسية والبريطانية. فما هو سرّ يقظة المستثمرين من أصحاب الشركات الكبرى على «أصالة شارع الحمرا» في ظل تفاقم الأزمة السياسية في البلاد؟

    الهورس شو، كافيه دو باري، لاروندا، الروكسي، نغرسكو، المودكا، الويمبي... مقاهٍ أصبحت من التاريخ. زقاق طنطاس تحوّل إلى بلس وجان دارك. إلّا أن شارع الحمرا ما زال يستقبل رواده من مثقفين وفنانين وطلّاب، وإن بطريقة مختلفة. فـ«لكلّ مقهى في الحمرا لغته، حيث تتنوّع المذاهب»، كما يقول أحد الرواد، الممثّل وعازف البيانو طارق بشاشي، معتبراً أن سوق الحمرا التجاري لا يشبه غيره من الأسواق «ذات الطابع الاصطناعي، إذ تترسّخ أصالة الحمرا الفنية، الثقافية والاجتماعية، في احتضانها لكل طبقات المجتمع ومختلف الشرائح».

    ألف متجر وأربعون مصرفاً

    يتفرّع من شارع الحمرا البالغ طوله 1300 متر 22 شارعاً يوجد فيها ما يقارب ألف متجر ومكتب لشركات متوسطة وكبرى. أضف إلى ذلك أربعين مصرفاً، خمسة عشر منها تشكّل مركزاً رئيساً، وذلك بحسب ما أفادت جمعية المصارف.
    ويلفت رئيس جمعية أصحاب المؤسسات التجارية في شارع الحمرا ومتفرعاته زهير عيتاني الى أن «الحركة في الحمرا باتت شبه طبيعية بنسبة 90 في المئة، بعدما سجّلت تراجعاً في العام الماضي بلغ 50 في المئة، وخصوصاً أن اللبنانيين «لا يملكون بمعظمهم القوة الشرائية اللازمة لتحريك العجلة الاقتصادية».
    وعزا عيتاني «الفورة الاقتصادية إلى ما تشهده سوق وسط المدينة»، مشيراً الى «وجود طلب كبير على المحال والمكاتب المعروضة للإيجار في الحمرا، على الرغم من ندرتها حالياً، حيث لا يباع ذراع العقار بأقل من 4000 دولار أميركي».
    وفي ما يتعلق بافتتاح أكثر من 7 مقاه ومطاعم في الحمرا، اعتبر عيتاني أن «الحمرا تشكل مقصداً للمغتربين والسياح العراقيين والإيرانيين والسعوديين والسوريين، إلا أنه نظراًَ إلى الأوضاع السياسية المتوترة حرم اللبناني من الاستفادة من ذلك».

    غزو الشركات الكبرى

    «الكوستا» ذات الجنسية البريطانية التي انطلقت عام 1987، والمالكة لـ500 فرع في العالم، افتتحت فرعها الرابع في الحمرا الذي يضم 16 موظفاً منذ ما يقارب سنة. ويقول المدير العام لمقاهي الكوستا في لبنان علي حجيج إن «الحركة التجارية في الحمرا تحسنت عقب إقفال الداون تاون»، مشيراً الى «استقلالية المنطقة عن الولاءات السياسيةوافتُتح فرع لسلسلة المطاعم العالمية NANDOS المنتشرة في 31 بلداً بعد ولادتها في جوهانسبرغ عام 1987، وعرفتها الحمرا منذ 8 أشهر بطاقم من الموظفين يقارب 22 موظفاً. وتقول المديرة المسؤولة عن وكالة المطعم في لبنان غاريني إن «الشركة وقع اختيارها على سوق الحمرا بسبب الحركة التجارية الواسعة في هذا الشارع، ولا سيما منذ أواخر العام الماضي، حيث تنتشر المصارف والمكاتب والمحال التجارية والجامعات».
    ولم ينأَ مقهى «ليناز» عن مواكبة ذلك حيث اتخذ هذا المقهى الفرنسي من الحمرا فرعاً له، من أصل 15 فرعاً في العالم، وذلك منذ ما يقارب 3 سنوات. ويشير مساعد المدير في فرع الحمرا يوسف إلى أن «الحمرا سوق تجارية ناشطة حالياً يقصدها رجال الأعمال، والسياح، والطلاب والمغتربون، لقيمتها المعنوية والمادية».

    بين الحمرا و«صنع في لبنان»

    ما زال المستثمر اللبناني يراهن على نشاط سوق الحمرا التجارية. فبعدما حطّ رحاله في المراكز التجارية (المولات) الكبرى اللبنانية والعربية، عاد أدراجه الى تاريخ الحمرا. فمطعم «chopsticks» الصيني النكهة الذي تأسس عام 1998، وتوزعت فروعه بين الأشرفية، الداون تاون، أنطلياس، فرن الشباك وسن الفيل، افتتح فرعه منذ حوالى شهرين في سوق الحمرا بما يقارب 20 موظفاً. ويعزو مدير الفرع روني خطار قرار اختيار منطقة الحمرا الى «الدراسة الاقتصادية التي قامت بها الشركة منذ حوالى 6 أشهر للمنطقة، وتبين خلالها تطور الحركة التجارية، وخصوصاً في ظل انتشار المصارف والمحال التجارية الى جانب الجامعات والمعاهد والشقق السكنية».
    على بعد عشرات الأمتار من المطعم المذكور، تجد أحد المقاهي اللبنانية الطابع «زوايا» الذي لم يكمل عمره شهرين. ويقول مؤسس المقهى بسام حجيج إن «قرار استثماره في سوق الحمرا يكمن في عدم انتماء هذه المنطقة طائفياً ومذهبياً الى أي تيار»، مضيفاً أنه بعد «إقفال الداون تاون وجدت الحمرا متنفساً اقتصادياً لها، حيث يبدأ رواد الترفيه في التوافد منذ السابعة مساء حتى الثانية عشرة ليلاً، ناهيك بما تكتنزه سوق الحمرا من مصارف وشركات وفنادق».
    أما شارع المقدسي فكان من نصيبه أن يشهد افتتاح أحد المقاهي اللبنانية «غرافيتي» منذ 15 يوماً رافعاً شعار «بيت الموهبة»، في محاولة من مالكتَيْه هبة سري الدين وجسي تاترس «لإعادة شارع الحمرا بمقاهيه الثقافية إلى ما كان عليه في السابق». وأشارت سري الدين الى أن الحمرا «تتميز بتنوعها الطائفي والطبقي والفني، ولا بد للفنان اللبناني من أن يجد ملاذاً له بعد إقفال المقاهي القديمة». وتشير تاترس إلى أن «نسبة الإقبال جيدة، على الرغم من الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد».
    ومنذ حوالى 20 يوماً احتضنت الحمرا أيضاً مطعم نابوليتانا «NAPOLETANA» بطاقمه البالغ 35 موظفاً، ويقول مدير التسويق في شركة بوبس غروب المالكة للمطعم هادي فاضل إن «الإقبال فاق التوقعات والدراسات»، ومردّ ذلك الى «موقع المطعم على رصيف سوق الحمرا التجاري المفعم بالمارّة»، ناهيك بـ«الطاقات المصرفية، الفندقية، التجارية التي تغني الشركة عن إعلانات التسويق».
    أما مطعم رودستر (Roadster Diner) بموظفيه الاثنين والخمسين في فرع الحمرا والمقرر توسعه في الأردن، فيعبّر عن حاله بلسان مديره آغوب الذي أشار الى أن «الحمرا تمثل موقعاً تجارياً ممتازاً، حيث يقبع مصرف لبنان وعدد من الوزارات، بالإضافة الى المصارف، المكاتب، الفنادق والمحال التجارية الضخمة». وفي ما يتعلق بزوار المطعم لفت آغوب الى أن «حركة الإقبال متصاعدة وجيدة جداً»، على الرغم من وجود فروع أخرى في كل من الأشرفية، الداون تاون، جل الديب، جونية والدورة.

    مقاهٍ لبنانية عصرية

    يرى بلال أمين، مالك مقهى «ة مربوطة» الذي لم يبلغ سنة ويعمل فيه 15 موظفاً، أنه «صمم على اتخاذ الحمرا مقرّاً للمقهى لأنه من رواد مقاهيها»، مشيراً الى أن الحركة «أكثر نشاطاً في أيام الدراسة نظراً إلى عدد الطلاب القاصدين للمقهى». ويقول أمين إنه «على الرغم من غياب المقاهي العريقة ودور العرض في الحمرا إلا أن هذا السوق مميّز، فهو لا يشبه الداون تاون أو الأشرفية أو الجميزة حتى في محاله التجارية»، لافتاً الى أنه «مع إقفال وسط المدينة ازدادت الحركة التجارية في الحمرا».
    أما مطعم «طبخة» الذي لم يمضِ على افتتاحه سوى 15 يوماً، فيقول مديره إيلي شويري المسؤول عن 35 موظفاً إن «وجود طبخة في الحمرا يستقطب موظفي المصارف والمكاتب ونزلاء الفنادق وطلاب الجامعات، بالإضافة الى سكان الحمرا، نظراً إلى ما يقدّمه من وجبات منزلية»، معتبراً أنه «آن الأوان للحمرا أن تستردّ مجدها».
    ويشير رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري بول عريس، الى أن ازدياد عدد «المطاعم والمقاهي في شارع الحمرا مرده الى استقطاب هذه المنطقة للفئات العمرية التي تراوح بين 15 و35 سنة وهي الغالبة في الديموغرافيا اللبنانية»، إضافة إلى «الأسعار المعقولة مقارنة مع مقاهي فردان والجميزة»، وموقع الحمرا كمركز تجاري ومصرفي. ويرى عريس أن الشركات العابرة للقارات تتوخى «تعويض التراجع الذي أصاب فروعها في عدد من المناطق التي تعرضت لأحداث أمنية».




    أصل التسمية

    حملت منطقة الحمرا اسمها نسبةً إلى بني الحمرا البقاعيين الذين كانوا يترددون عليها لبيع محاصيلهم الزراعيّة منذ مطلع القرن الخامس عشر الميلادي، وقد تنازع هؤلاء مع بني تلحوق الذين عادوا الى الجبل تاركين أراضيهم لبني الحمرا. إذّاك عُرفت المنطقة باسم كرم الحمرا، وذلك بحسب المؤرخ عصام خليفة.
    ويقول خليفة إن لقب الحمرا يعود الى «الطبيعة الجغرافية للتربة ذات اللون الأحمر التي كانت تشتهر بها هذه البقعة»، حيث كانت تزرع أشجار المقساس لاستخراج مادة الصمغ وصناعة الدبق لاصطياد العصافير، بهدف بيعها بليرتين عثمانيتين من الذهب في اليوم الواحد.