أوصد إبراهيم باب الحمام من الداخل وبقي مسجنوناً فيه ما يُقارب الساعة، بينما تمكن صديقه من الفرار عندما رأى عناصر الأمن يطوقون مكان عملهم في سوبر ماركت «شوبرز» في الطريق الجديدة. دخل عناصر الأمن بصفتهم الرسمية بحثاً عن العمال السوريين، وتمكنوا من إلقاء القبض على عدد منهم وصادروا أوراقهم الرسمية، مطالبين بمراجعة الأمن العام خلال يومين لتسوية أوضاعهم أو ترحيلهم إلى سوريا خلال شهر.
أحد العمال (رفض الافصاح عن اسمه) قدّم شهادته لـ«الأخبار»، قال: «دخل عناصر الأمن بشكل مفاجئ، لم نتوقع للحظة أنهم يبحثون عن العمال السوريين، وعند إمساكهم أول شاب سوري اتضح الأمر وبدأنا نحاول الهرب أو الاختفاء في المكان، لكننا لم نتمكن من ذلك فنحن نرتدي لباساً موحداً عليه اسم المؤسسة، وعناصر الأمن كانوا قد طوقوا مداخل السوبر ماركت، الحمد لله أنهم اكتفوا بسحب أوراقنا ولم يعتقلونا».
انتشرت حالة ذعر بين العمال، إضافة إلى الزبائن الموجودين في الصالة. العمال تركوا كل ما في أيديهم من طلبات للزبائن وأخذوا يركضون بشكل عشوائي. بعضهم هتف للآخرين: «أمن..أمن..أهربوا». كانت الدوريات الامنية نفسها قد داهمت قبل أيام مؤسسات اخرى في العديد من الأحياء البيروتية. يعلّق عامل سوري آخر يعمل في السوبر ماركت: «لا أجد أي مبرر لمطاردة العمال السوريين بهذا الشكل، أكثر من نصف العمال في هذه المؤسسة هم سوريون، وكذلك هناك خمسمئة عائلة سورية تصرف معونات الأمم المتحدة من هذا المكان».
«سبينس» تستبدل
عمالها السوريين بآخرين
من بنغلاديش

غادر عناصر الأمن المكان بعد أن غنموا مجموعة من الأوراق الرسمية للعمال من جوازات سفر وبطاقات شخصية، والضابط برتبة ملازم أول يردد بصوت مرتفع منتشياً بنصره: «سنزوركم كثيراً». ترتفع أصوات لبنانية مطالبة بترحيل السوريين إلى بلدهم، ويبررون أن مرد ذلك ليس عنصرياً، إنما يرجعونه إلى فرص العمل التي أصبحت ضئيلة جداً بسبب ازدياد عدد السوريين في لبنان بعد اندلاع الأزمة السورية قبل أربع سنوات، وما رافقها من نزوح عائلات بكاملها إلى دول الجوار. ولكن سلسلة متاجر «سبينس» كانت قد بدأت قبل فترة عملية ممنهجة لاستبدال عمالها السوريين بآخرين من بنغلاديش، وهذا يُضعف الحجّة «غير العنصرية»، اذ ان التضييق على السوريين، في مثال «سبينيس»، يهدف الى احلال عمالة اجنبية محلّهم، عمالة ترضخ لشروط عمل اقسى بكثير من شروط عمل السوريين الذين بات عليهم تأمين اجور تغطي كلفة معيشة اسرهم اللاجئة في لبنان.
الحملة الامنية تستهدف السوريين دون غيرهم، ووفق إشاعات تُسرّب بشكل شبه يومي، ستكون الأيام المقبلة صعبة على السوريين في لبنان، ومبدئياً «صدرت تعليمات جديدة خاصة بالسوريين تمنع تجديد إقاماتهم، وهذا ما بدا واضحاً صريحاً على الورقة التي أعطاها الأمن العام للعمال الذين صودرت أوراقهم بعد مراجعتهم الأمن العام، اذ نصت على تمديد الإقامات للعرب والأجانب باستثناء السوريين. حتى الطلبة السوريين في لبنان مُنعوا سابقاً من دخول لبنان إلا بتعهدات خطية من جامعاتهم قدموها للأمن العام تضمن خروجهم بعد إنهاء تقديم امتحاناتهم فوراً».
يروي محمد عمر، وهو طالب حقوق في الجامعة الإسلامية، لـ«الأخبار»: «لم يسمحوا لنا بدخول لبنان، بل إن بعض عناصر الأمن عند الحدود هددونا بتمزيق بطاقاتنا الجامعية إذا لم نرجع إلى سورية، ولم نتمكن من تقديم امتحاناتنا إلا بعد تدخل الجامعة بأيام، وتقديم تعهدات ترحيل كل طالب بعد أربعة وعشرين ساعة من تقديم امتحاناته».
يرى سوريون أن هذه الحملات جاءت بالتنسيق مع الحكومة السورية مع سريان إشاعة كبيرة في الشارع السوري عن إعلان نفير عام في سورية بداية العام المقبل، بينما يعللها آخرون بـ«تسوية تجرى خلف الكواليس بين الحكومات، وجزء منها إعادة السوريين إلى سورية».
بعيداً من هذه التكهنات، ما زال أبو ربيع وهو أحد عمال السوبرماركت الذين صودرت أوراقهم يفكر بكيفية الخروج من هذا المأزق خصوصاً مع خطر ترحيله إلى سورية مع أفراد عائلته بعد أن تهدم منزله، وحاله حال سوريين كثر ضاقت بهم الأرض بما رحبت.