النفايات التي طمرت الطرقات نتيجة فشل السلطة السياسية في إيجاد الحلول البيئية المناسبة، ستشكل السلاح الأساسي الذي سيستخدم اليوم من قبل الناشطين في وجه هذه السلطة. فقد وجّهت دعوات إلى المواطنين لضرورة إحضار البيض والخضر المتعفنة والنفايات الى الاعتصام عند التاسعة من قبل ظهر اليوم، أمام مبنى النهار، ومن المرجّح أن يحاول المعتصمون إقفال الطرقات المؤدية الى محيط ساحة النجمة بهذه النفايات التي سيتم تجميعها والاتيان بها بطرق مختلفة.
تحركات نوعية سبق أن حصلت أمس من قبل ثلاث مجموعات مختلفة: الأول تحرك «بدنا نحاسب» الذي شلّ عمل مديرية الواردات في وزارة المالية، للمطالبة بوقف تحويل الرواتب الى النواب، الثاني محاصرة المضربين عن الطعام وزارة البيئة وتحويل محيطها الى «مطمر العازارية»، والخطوة الثالثة جاءت من قبل أهالي الموقوفين منذ تظاهرات 22 أب، الذين أغلقوا مساءً الطريق المؤدية الى وزارة الداخلية لساعات. في موازاة كل ذلك، لم تتوقف الاحتجاجات في المناطق، حيث نفّذ في كل من بلدة خريبة العكارية وتقاطع بلدة المرج في البقاع اعتصامان رفضاً لإقامة مطمر في عكار وفي السلسلة الشرقية.
الشارع يغلي، وجميع الحملات على استعداد للانخراط في أي تصعيد ممكن. هذه الحملات المختلفة ليست في موقع متصارع عملياً، فكل منها يقوم بتحرك تصعيدي حول قضية معينة، يحثّ الحملات الأخرى على القيام بالمثل، فيرى العديد من الناشطين في هذه الحملات ضغطاً على السلطة السياسية يمكن له أن يزيد من غضب الناس تجاه هذه السلطة، على أن يوظّف هذا الغضب في تحرك اليوم.
لم ينجح أمس شبان حملة «بدنا نحاسب» في الدخول الى حرم مبنى مديرية الواردات التابع لوزارة المالية والاعتصام داخله، بعدما سارعت القوى الامنية الى إقفال البوابة الحديدية لحظة رؤيتها عدداً من المعتصمين يقتربون من المبنى في الصباح الباكر. إلا أن عدم قدرة المعتصمين على تنفيذ اعتصامهم في الداخل لم يفشّل الحراك. ما لم يستطع المعتصمون القيام به، تكفّلت القوى الأمنية بتنفيذه، حيث أغلقت مدخل الوزارة بالكامل، مانعةً أياً كان من الدخول أو الخروج منها، بمن فيهم موظفو الوزارة الذين انقسموا بين من وصل الى عمله عند بدء الدوام الرسمي (وهم قلّة) وحُبس في الداخل، ومن اضطر إلى البقاء خارجاً، ما سهّل للحملة مهمة إيصال رسالتها.

شبان حملة
«بدنا نحاسب» حاصروا مبنى مديرية الواردات في وزارة المال

الاعتصام أمام الوزارة جاء للمطالبة بوقف تحويل الرواتب الى النواب «لأنهم لا يقومون بأي عمل وهم غير شرعيين بحكم تمديدهم لأنفسهم، فضلاً عن أن هناك دوراً أساسياً لوزارة المالية، والوزراء المتعاقبين عليها، في تفاقم الدين العام من جهة ثانية، بحسب ما يقول الناشط علي حمود لـ»الأخبار».
«بدنا نحاسب» أشارت خلال الاعتصام الى أن 82 مليار ليرة لبنانية كلفة التمديد للمجلس النيابي الحالي، وحوالى 153 مليون ليرة تدفع سنوياً الى كل نائب، و212 مليوناً و844 ألف ليرة تدفع الى رئيس المجلس النيابي. هذه الأموال التي تدفع الى مجلس لا يقوم بأي من المهمات الملزم بها، طالبت بدنا نحاسب بتحويلها «للموظفين الكادحين أصحاب الحقوق الذين تمارس السلطة بحقهم الترهيب النفسي فتوهمهم بعدم توافر السيولة اللازمة لرواتبهم»، وقد اقترحت الحملة أن تموّل سلسلة الرتب الرواتب من هذه الأموال.
استمر الاعتصام حتى انتهاء دوام العمل الرسمي. وخلال تنفيذه، كان هناك اجتماع يُعقد في أحد المكاتب في العازارية بين المضربين عن الطعام ووزير البيئة محمد المشنوق. هذا الاعتصام يأتي بعد مساع عدة قام بها المشنوق للقاء هؤلاء الشبان. إلا أن الاجتماع كانت نتيجته سلبية جداً، حيث غادره المضربون محبطين جداً. فالوزير قال لهم إنه الى جانب هذا الحراك «وهو يحارب الطقم السياسي من الداخل، لكنه هاجم العديد من أعمال الحراك وانتقد الكثير من تصرّفاته»، بحسب ما صرّح وارف سليمان في مؤتمر صحافي عقد بعد انتهاء الاجتماع بحوالى ساعتين. وأشار سليمان الى أن «المشنوق لا يجد نتيجة إيجابية من استقالته، وإلاّ لكان استقال منذ اللحظة الاولى، وأنه يوجد وزراء آخرون يجب أن نطالبهم بالاستقالة».
المشنوق أوصل رسالة الى المضربين تفيد بأنه «وزير قوي، عكس الآخرين، ويواجههم جميعاً مع حليفه رئيس الحكومة تمام سلام». وقد طُرحت خلال اللقاء «خطة» على المشنوق لوقف الشبان لإضرابهم عن الطعام، مفادها أن «يقدّم (المشنوق) استقالته، وقبولها أو رفضها يصبح موضوعاً آخر، فالمطلوب هو تقديم الاستقالة كشرط لتعليق الاضراب عن الطعام. إلا أن ردّ المشنوق كان سلبياً، و»اعتبرها مسرحية، وبذلك انتهت المقابلة بالعودة الى خيمنا»، بحسب سليمان.
استاء المضربون عن الطعام منذ 15 يوماً من هذه السلبية، فعمدوا بعد تلاوة مؤتمرهم الصحافي الى إقفال طريق ساحة الشهداء في الاتجاهين لبعض الوقت. حضر الى المكان عناصر مكافحة الشغب، محاولين فتح الطريق، وبعد تفاوض «سري» بين الضابط المسؤول وأحد المضربين عن الطعام، تم الأَخذ بنصيحة الضابط بالتوجه لإقفال مبنى العازارية.
في أقل من ساعة، تحولت باحة مبنى العازارية الى مكبّ للنفايات، وأطلقت عليه تسمية «مطمر العازارية» بعدما أحضر الشبان مستوعبات النفايات من المناطق القريبة لرميها في الباحة الداخلية وعند المداخل. نقل المضربون خيمهم من مكانها، ووزعوها على كل مداخل الوزارة بهدف منع وزير البيئة أو أي من موظفي الوزارة من الدخول الى داخل المبنى ابتداءً من الغد، طالبين من المشنوق «البحث عن مكتب آخر له». أغلقت جميع المداخل المؤدية الى العازارية، باستثناء مدخل واحد سيحرسه الشبان، فأعلنوا أنهم سيسمحون لموظفي المحال التجارية بالدخول حصراً.
ما كادت تهدأ الامور قليلاً في العازارية، حتى اشتعلت أمام مقر وزارة الداخلية. فأهالي الموقوفين في سجون قوى الأمن والجيش اللبناني أغلقوا مساءً الطريق بالكامل أمام مبنى وزارة الداخلية لساعات، مطالبين بالافراج عن أبنائهم، وخاصة القاصرين منهم، متحدثين عن معاناة حقيقية حيث يعتقل قاصرون منذ 18 يوماً، يتعرضون للضرب، ويمنعون من مقابلة ذويهم الا بوجود زجاج عازل وعنصر أمني، كذلك يمنع الأهل من إدخال أي طعام اليهم. حاول عميد من قوى الأمن الداخلي التفاوض لفتح الطريق، لكن الاهالي رفضوا ذلك ما لم يتم الافراج عن أبنائهم، وقد استمر هذا الاعتصام لساعات قبل أن يحدد موعد لاعتصام جديد عند الساعة التاسعة من صباح اليوم أمام المحكمة العسكرية حيث يُفترض تحويل أكثر من 20 موقوفاً على المحاكمة أمامها، بينهم 7 قاصرين، على أن يقدم محامي لجنة الدفاع عن المتظاهرين طلبات إخلاء السبيل لهم اليوم.




عُصيّ المستقبل في دواليب حركات رفض مطمر المصنع

في البقاع (أسامة القادري) واصلت حملة «مش زابطة البقاع مزبلة» تحركاتها ضد إنشاء مطمر في نقطة المصنع، وتحديداً في المنطقة الحرة بين مجدل عنجر وجديدة يابوس السورية، بحسب ما أشارت اليه مصادر وزارية. تيار المستقبل في البقاع عمّم على مناصريه مقاطعة هذه التحركات، بحجة أن وراء الحملة حسن مراد، نجل رئيس حزب الاتحاد عبد الرحيم مراد، إلا أن ناشطي الحملة استطاعوا أن يحشدوا للاعتصام بمشاركة مجموعة بدنا نحاسب، عدا عن مشاركة شبان محسوبين على شبيبة الاتحاد، الذين اعتبروا مشاركتهم لوقف الاجرام البيئي بحق المنطقة.
وأشار فيصل طعمة باسم الحملة الى أن التحرّك لن يقتصر على البقاع، «بل سنشارك في الاعتصامات المركزية في بيروت». بدوره، قال رئيس بلدية مجدل عنجر سامي العجمي إن «هذا المطمر لن يمر ما دام هناك من يرفضه في البقاع». ورأى رئيس بلدية عنجر أن الاعتراض والاعتصامات في الشارع هي السلاح الوحيد لرد الاذى عن مياهنا وسياحتنا ومزروعاتنا وحياة أبنائنا، وإن تطلب الامر النزول الى بيروت للاعتصام مع الشباب هناك فلن نتأخر.