عدد لا يُحصى من الأحداث التي وقعت خلال السنوات الـ 12 الأخيرة، تحديداً منذ أن شاهدنا فيلم «سريع وغاضب» (2001) للمرة الأولى. بدأت ملحمة «سريع وغاضب» تتشكّل مع الوقت، بصفتها أرضية اختبار لما يمكن أن تقدّمه سينما الحركة الأميركية للعالم. لم تكن هناك أفلام كثيرة، في السنوات الأخيرة، تركت تأثيراً على المجتمع مثل هذه السلسلة، إلى درجة أنّها امتدّت على سنوات طويلة وبأجزاء وصلت إلى حدود عشرة أفلام في اليوم. مجّد الفيلم الأول سباق الشوارع، جاعلاً «الهوندا سيفك» والسيارات الأخرى مشهورةً يجب اقتناؤها وتعديلها بالنسبة إلى الكثير من المراهقين في مختلف أنحاء أميركا. كان الفيلم الأول جيداً مع طاقم تمثيل يَعرف ما ينبغي له فعله، وقصة مثيرة وفريدة. لاحقاً، انخفض الاهتمام بالسلسلة بعد عقبات عدة، لكنّها ظلت ناجحة إلى حدّ ما. في «سريع وغاضب 7»، توفي أحد أعمدة الفيلم وهو الممثل بول والكر (1973 – 2013). حينذاك، تمكّن فريق العمل من إنهاء مشاهده في الفيلم على الرغم من وفاة والكر في حادث سير بعدما أدّى نصف مشاهده. ما بدأ بفيلم حركة خفيف وسيارات سريعة وطاقم ممثلين غير مشهورين وبعض الجرائم الصغيرة والكثير من الأجساد النسائية التي تتمايل ببطء، انتقل تدريجاً ليصبح أكبر من ذلك بكثير: بات لدينا المزيد من الحركة والعنف واللحظات التي تهزم فيها السيارات قانون الجاذبية، إلى جانب ممثلين مشهورين أمثال هيلين ميرين، وتشارليز ثيرون، ودواين جونسون وجايسون ستاثام وغيرهم. تشبه السلسلة مباراة تنس، لكنّ الكرة عبارة عن سيارات مسرعة، حيث الحبكة لا تضاهي بأهميتها مشاهد الترفيه. بعد عقبات عدة، بلغت الملحمة ذروة تألقها في الجزء الثامن، عندما انتهت من محاولتها لتكون شيئاً أكبر مما هي عليه، وعادت لاحتضان ما تبرع فيه، أي هذيان لا يُصدّق من العروض المثيرة والسيارات الكبيرة والسريعة والعجلات النارية، وعدد لا يُحصى من المؤثّرات الخاصة، وخيال غير محدود في كيفية تحطيم العربات. أخذ الجزء التاسع الروحية نفسها، وانتقل إلى الفضاء، وعاد فان ديزيل إلى واجهة الفيلم.

عادت الملحمة إلى الصالات في جزئها العاشر الذي يمثل بداية النهاية، على أن تحتوي السلسلة فيلماً أو فيلمين آخرين في السنوات المقبلة، فيما بات المقود الآن في يد المخرج الفرنسي لوي لوتيرييه. الجزء العاشر من هذه السلسلة الذي طُرح أخيراً في الصالات، يتكوّن من متسابقي الشوارع واللصوص المتعاونين مع السلطات. فيلم جيد يتناسب مع تطور السلسلة، ويبدو عظيماً عندما يحتضن السخافة والمرح والأمور المستحيلة. نتابع في الفيلم دومينيك توريتو (فان ديزيل) وطاقمه اللذين يواجهان اليوم عدواً جديداً هو دانتي (جيسون موموا)، ابن هيرنان رييس (واكيم دي ألميدا) تاجر المخدّرات الذي قتلوه في الجزء الخامس. دانتي يسعى إلى الانتقام، ويزيح شيفر (تشاليز ثيرون) العدوّة الأولى في الجزءين الأخيرين، ليؤدي ذلك إلى تحالفات جديدة تتيح خلق مساحة للأعداء بأن يصبحوا شركاء والعكس صحيح. دومينيك اليوم لديه شيء يخاف عليه، هو عائلته الصغيرة والكبيرة، ودانتي عازم على جعل دومينيك يخسر كل شيء. يريد دانتي الانتقام بشيء أسوأ من الموت. قبل عشر سنوات، تلقّى دانتي ضربةً موجعة بموت والده. لذلك، فهو يتبع إحدى نصائح والده: لا يريد قتل عائلة دومينيك فقط، بل يريد أن يراهم كلّهم يتألمون أولاً. لذلك يضع لهم أفخاخاً متقنة، يضربهم كيفما يحلو له، ويتقدم عليهم دائماً بعشرات الخطوات.
هناك جهد فكري حقيقي بحجم ملحمي لتقديم المستحيلات والمشاهد القادرة على تجاوز أيّ حدود


في الجزء التاسع، أطلقوا سيارة في داخلها شخصان إلى الفضاء لتحطيم قمر صناعي... ما الذي يمكن فعله أكثر جنوناً من ذلك؟ للوهلة الأولى، تبدو المعركة خاسرة، ولكن ضمن قواعد الكون السريع والغاضب، لا شيء مستحيل. لم نرَ في «فاست أكس» شيئاً لم نره من قبل، لكنّ الفرق هنا أنّ اللحظات الأكثر إثارة صارت أكثر إتقاناً. هناك جهد فكري حقيقي بحجم ملحمي لتقديم المستحيلات والمشاهد القادرة على تجاوز أي حدود. أصبح حجم المشاهد المثيرة غير واقعي بشكل صارخ أكثر من أي وقت مضى، كأنهم يهيّئون الأرضية لشيء أكبر في الأفلام المقبلة. لا حدود هنا، لا للمنطق ولا للسرعة، كل شيء يدور بسرعة كبيرة على طول العالم وعرضه، من روما إلى القارة القطبية الجنوبية، ومن هناك إلى ريو دي جانيرو. مطاردات مجنونة إلى درجة أنه لا يمكن إلا الاستمتاع بها. هناك مشهدان، واحد في روما والآخر في نهاية الفيلم، مع مجموعة من الطائرات والمروحيات والسيارات التي لا يمكن إلا أن نشعر خلالهما بأن كرسي الصالة على وشك الطيران. طبعاً لا يمكن أن ننسى مشهد ما بعد تتر النهاية، عندما لا يأخذ «فاست أكس» نفسه ولا المشاهد على محمل الجد، فيقدّم أفضل لحظاته. لكن عندما تتراكم المونولوغات حول العائلة والحنين، يغرق الفيلم في مستنقع عبارات لا معنى لها، لكن مفهومة إلى حدّ ما لأن كل فيلم بحاجة إلى جرعات قليلة من الدراما. في هذه اللحظات، يتلاشى الشعور بالسرعة وتظهر العائلة في المقدمة، وشعار «العائلة في المرتبة الأولى والأهم» يحتل الشاشة.


يخوض «فاست أكس» سباقاً ضد الملل وقوانين الفيزياء، محاولاً عدم تكرار نفسه والابتعاد عن النظرات الحزينة والعبارات الساذجة، لكنه لا يتخلى عنها بالكامل. سمعنا مراراً جملاً مثل «الشارع هو جامعتي» وما إلى ذلك. ولكنه لا يزال ملتزماً بالترفيه والإثارة، مناسباً للعائلة، ومتطرفاً مثل أسلافه. أفضل ميزة لهذا الجزء الجديد هي الموسيقى التصويرية. لعبت الأخيرة، في مشاهد السيارات المجنونة، دوراً يجعل الدماء تغلي تحت الجلد. لذلك، إذا كنت تبحث عن ترفيه مع مناورات سيارات مجنونة، فمن المستحيل ألا تستمتع بالفيلم، بشرط إغفال جانبه الساذج. «فاست أكس» عبارة عن عضلات بشرية وأحصنة مركبات، يصطدم بعضُها ببعض وتنفجر كلُّها لمدة ساعتين ونصف ساعة، يطير الفيلم على أجنحة اللامبالاة المطلقة، كأنه خارج من خيال طفل يلعب بالسيارات ويصدمها ببعضها، لكنّ الفارق الوحيد أنّ هذه اللعبة كلّفت 340 مليون دولار.

Fast X في الصالات