خلال دقائق الفيلم التي تزيد عن المئة قليلاً، ما يفعله فيليبير هو تقديم الشخصيات المتنوعة التي تقضي جزءاً كبيراً من أيامها هناك في ممارسة أنشطة اجتماعية وترفيهية وفنية، والتحدث إلى أقرانها والأطباء النفسيين، بينما تحافظ على انشغالاتها ونشاطاتها ومرحها. هنا يذهب فيليبير مباشرة إلى الحقيقة وهذا ما يهمه، تقترب كاميرته من الناس من دون إجراء مقابلات بطريقة كلاسيكية، فهو كمراقب يمشي على الحائط ويطير في المكان، ويسمح لنا بالاستماع إلى القصص والرغبات ومشكلات الموجودين. فيليبير يلتزم دوماً بالهدوء والسماح للأشخاص بالتعبير عن أنفسهم بالطريقة والوقت الذي يمكنهم فيه التوقّف بمفردهم، وليس من خلال القطع. البعض (الغالبية) يفعلون ذلك بطريقة مطولة والبعض الآخر يختار الصمت والموسيقى والرسم أو حتى التعبير الجسدي. الشخصيات مثيرة للاهتمام، ساحرة، لديها مشكلاتها (مثل أي شخص آخر) والكاميرا تهتم بها، بالإضافة إلى الاهتمام الواضح بالقيمين على هذا البرنامج. مع ذلك، فإن حدود الصحة النفسية غير واضحة وفي تفاعل أولئك الذين نراهم على الشاشة، غالباً ما يكون صعباً تمييز من يقف على جانبَي هذا الحد، وما هو الحد الفاصل المفترض. الفيلم الذي تدور أحداثه بالكامل على متن القارب، يغرق في هذا العالم من دون تمييز بين المرضى ومقدمي الرعاية.
يعكس الوثائقي أفكار وحياة الأشخاص الضعفاء بوضوح مدهش
إنها مساحة احتواء، مكان يُفهم فيه أنه «لا يمكن إنقاذ أحد بمفرده» وأن الناس يحتاجون إلى الآخرين من أجل البقاء.
يخلق نيكولا فيليبير صورة جماعية لأولئك الذين يدخلون المؤسسة. في ظل الحضور المقيد للكاميرا الخاصة به، يعكس الوثائقي أفكار وحياة الأشخاص الضعفاء بوضوح مدهش، بمساعدة ممرضات المؤسسة والتعبير الفني عن الذات بشكل مستقل عن الوسيلة. في الوقت نفسه، فإن المواقف واللقاءات هنا ليست كلاسيكية، ولا أسئلة يجب الإجابة عليها، والموضوعات تفتح مثل المونولوج في نشوة الانتباه الموجه إلى الشخوص. مع ذلك، يقدم الفيلم القليل من المعلومات السياقية. على سبيل المثال، نتعرف إلى عمل المؤسسة من مواقف مختلفة. مثلاً الشخصية التي قابلناها في بداية الفيلم تختفي تماماً، ثم تعود إلى الظهور بعد اكتشاف قصص جديدة، فنشعر أن السرد مبني بشكل عضوي، في مكان يتسم بالحرية. هناك مدخل ومخرج، والفيلم يعمل مثل المبدأ التنظيمي للمؤسسة ويصف حياتها وعملها. فيليبير نادراً ما يقلق بشأن بنية أفلامه، وفي «على قارب الأدامان» كان مقتنعاً بأن المكان والشخصيات ستسمح له ببناء فيلم يشبه المكان.
على الرغم من أن الفيلم يجسد القدرات التي يمكن إطلاقها بالمساعدة والاهتمام والعطف، إلا أنه يتجنب بمهارة مخاطر استدرار الشفقة. تعتمد المشاركة على الحوار المتبادل، ولا يوجد فرق بصري بين المرضى ومقدمي الرعاية. لا يقدم فيليبير أشخاصه على أنهم غرباء، لكن كأشخاص لديهم مشكلاتهم، يوجد لديهم إدراك متزايد بالواقع الذي يعيشونه، فيلجؤون إلى قارب تحدّه المياه من جميع جوانبه، ويطفو في وسط باريس لكنه مستقل عن نبض المدينة، إنه فقاعتهم المغلقة التي يجدون أنفسهم فيها.