بدءاً من اليوم، تنظّم شركة «أم. سي» للتوزيع «أسبوع الفيلم اللبناني» وتقترح في برنامجها سلسلة من الأفلام التي أنتجها سينمائيون لبنانيون في السنوات الثلاث الأخيرة، سعياً منها إلى إلقاء الضوء مجدداً على هذه الأعمال التي جاء صدورها في أوقات صعبة. شهدت السينما في لبنان خلال السنوات الماضية وفرةً في الأعمال من مختلف الاتجاهات والأنماط، من أفلام وثائقية وروائية، تمكّن عدد منها من البروز خارجاً في إطار مهرجانات عالمية، إلا أنها لم تحظ بالحفاوة نفسها في بلد منشئها. فقد استكمل سينمائيون بارزين مشوارهم بتقديم أعمال مهمة أضيفت إلى مسيرتهم، كما برزت أسماء شابة واعدة قدّمت أعمالاً أولى لقيت ردود فعل إيجابية إن كان على مستوى النقاد أو المشاهدين.
الافتتاح اليوم مع فيلم روي عريضة «تحت السماوات والأرض»


يختتم الحدث بفيلم «عا امل تجي» لجورج بيتر بربري

مشكلات الإنتاج وصعوبة الوصول إلى عدد أكبر من المشاهدين باتت غير خفية على أحد، خصوصاً في ما يتعلّق بالأفلام غير التجارية في لبنان أو المنتمية إلى سينما المؤلف. وفي هذا الصدد، لم ينل الكثير من الأعمال حقّه من المشاهدات ومرّ مرور الكرام في حين كان يستحقّ أكثر من ذلك. ولا ننس وباء كورونا الذي أبعد الناس عن الصالات لفترة طويلة، وليس فقط على الصعيد المحلي. مع عودة الحياة الثقافية إلى نوع من الحركة، كان مهماً إعادة تسليط الضوء على الأفلام اللبنانية التي أُنجزت في المدة الأخيرة كي يتمكن المشاهد اللبناني من التعرف إليها أو إعادة اكتشافها. من هنا أتت مبادرة «أم. سي» في جمع عدد من هذه الأفلام المنتجة في السنوات الثلاث الأخيرة بعدما جالت مهرجانات عالمية عدة ونالت بعض الجوائز فيها ضمن «أسبوع الفيلم اللبناني». في البرنامج أفلام تعرض للمرة الأولى في لبنان وأخرى كان لها مرور في الصالات في السنوات الماضية.

«قلتلك خلص» لإيلي خليفة يجمع بين الدراما والكوميديا


في «جدار الصوت» لأحمد غصين، ينطلق شاب في رحلة بحث عن والده في إحدى القرى الجنوبية

مواضيع وهواجس مختلفة يطرحها السينمائيون في أعمالهم المشبعة بطبيعة الحال تأثراً بالوضع الذي آلت إليه البلاد والحالة التي يعانيها الفرد والمجتمع في لبنان من دون أن ننسى جروح الحرب التي ما زالت مفتوحة. ومن هنا، تتشّعب الكثير من المواضيع في هذه الأعمال التي تلقي نظرة داكنة أحياناً وقد تكون محمّلة بالأمل أيضاً على مجتمعنا وحياتنا والصعوبات التي يعيشها المرء في يومياته وفي محاولته التكيّف مع الوضع وتطرح في معظم الأحيان الكثير من التساؤلات، عبر أساليب تصوير وإخراج مختلفة.
اختار منظمو الحدث الافتتاح بفيلم الشاب اللبناني الفرنسي روي عريضة «تحت السماوات والأرض» (اليوم ــ س:19:00/ فوكس/ سيتي سنتر) الذي جال على عدد من المهرجانات الدولية والحائز جائزة أفضل فيلم عربي في «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» (2020). لم يعرض الفيلم في الصالات التجارية في لبنان على رغم مرور سنتين على إنتاجه. وبحسب ما ورد في الملخّص الخاص به، تقع أحداثه على خلفية سلسلة من الاعتداءات والانفجارات عبر سيارات مفخّخة في مدينة بيروت ويصوّر العمل شخصية آلان الذي اختار تخصيص وقته لهواية الغطس والتي سرعان ما تتحول هوساً في سعيه إلى تحطيم رقم قياسي عالمي.
ذاكرة الحرب والاجتياح الإسرائيلي لبيروت يعودان في فيلم «1982» (25/10 ــ س:19:00 ـــ فوكس) لوليد مونّس المعروض أيضاً في برنامج «أسبوع الفيلم اللبناني». صدر العمل في الصالات ولكن في ظروف صعبة في بدايات الثورة، ويوم بدأ وباء كورونا بالانتشار، علماً أنه اختير ليمثّل لبنان في الأوسكار في فئة أفضل فيلم أجنبي من دون أن يصل إلى لائحة الأفلام المرشحة للجائزة. تقع أحداثه في مدرسة جبليّة، في آخر يوم دراسي، يحاول خلاله صبي في الـ11 من العمر البوح بحبّه لصديقته في الصف. لكنه أيضاً يوم كارثي للبنان تتعرّض خلاله بيروت لقصف إسرائيلي يهدد سكون المدرسة والمكان. استعان مونّس بنادين لبكي لتؤدي دور المعلّمة ياسمين التي لا يسعها إخفاء قلقها طوال النهار حيال الأحداث التي ستلقي ظلالها ووحشيتها على هذا اليوم الأخير من العام الدراسي، في حين نعيش من جهة أخرى بطريقة متناقضة مشاعر الحب الأولى البريئة التي يعيشها الصبي. استند المخرج إلى الذكريات الشخصية وتجربته الخاصة في أيامه المدرسية ليخبر هذه القصة.

يعرض وثائقي إليان الراهب «أعنف حب»


ذاكرة الحرب والاجتياح الاسرائيلي لبيروت يعودان في فيلم «1982» لوليد مونّس

شريط روائي آخر يستحضر الحرب لكن أحداثه تدور هذه المرة في فترة حرب تموز الإسرائيلية على لبنان. في «جدار الصوت» (29/10 ـــ س:19:00 ـــ فوكس)، الفيلم الروائي الطويل الأول لأحمد غصين (عُرض في «مهرجان البندقية» العام 2020 ونال جوائز نقدية)، ينطلق شاب في رحلة بحث عن والده في إحدى القرى الجنوبية، مستغلاً وقف إطلاق النار. ولكن حين لا يجده، يرى نفسه عالقاً مع أشخاص آخرين في منزل يحتّله جنود إسرائيليّون في الطابق العلوي ومجبراً على الصمت. ليس الفيلم عن الحرب تحديداً بما أننا لا نرى الجنود أو مشاهد حرب مباشرة، لكنه يتخّذ منها إطاراً، خصوصاً عبر الصوت، ليدعونا إلى التفكير بأمور أخرى وبعلاقة الفرد بالمكان الذي ينتمي إليه أو لا ينتمي إليه.
على صعيد آخر، يعرض «أسبوع الفيلم اللبناني» وثائقي إليان الراهب الجديد «أعنف حب» (26/10 ــــ س:19:00 ـــــ صالة «مونتاني»/ المعهد الفرنسي في لبنان) الذي شارك في «مهرجان برلين السينمائي». تتبع صاحبة فيلمي «ليالي بلا نوم» و«ميّل يا غزيل» رجلاً لبنانياً تعرّض للقمع خلال ترعرعه في لبنان. بعد مرور 30 عاماً على انتقاله إلى إسبانيا، يعود ليواجه الماضي المؤلم ويسعى إلى إيجاد نوع من التوازن العاطفي. حازت الراهب جائزة «تيدي» عن فيلمها في «مهرجان برلين» الـ71.
أما وثائقي «نحن من هناك» (27/10 ـــ س:19:00 ــــ المعهد الفرنسي في لبنان) لوسام طانيوس، فقد جال أيضاً على عدد من المهرجانات الدولية منها «مهرجان الفيلم العربي» في روتردام عام 2020. وعاد وفاز بجائزتين في الدورة 42 من «مهرجان القاهرة السينمائي». يصوّر وسام ابني عمته جميل وميلاد وهما سوريان في منتصف العشرين من العمر، طوال خمس سنوات في رحلتهما إلى أوروبا، بحثاً عن تغيير مصيرهما، متسائلاً عن قدرة المرء على التأقلم مع التغيير والبعد عن الوطن.
أعمال تعرض للمرة الأولى في لبنان وأخرى طُرحت في الصالات خلال السنوات الماضية


في المقابل، يعرض المهرجان فيلم إيلي خليفة «قلتلك خلص» (28/10 ـــ س: 19:00 ــ فوكس) الذي يجمع بين الدراما والكوميديا، لإلقاء نظرة نقدية على العمل في المجال السينمائي والمجتمع. نراه يؤدي دور مخرج أفلام متحمّس جداً لفيلمه الجديد ولكنه غارق في زحمة من الأفكار المتناقضة. ستمرّ شخصياته بظروف استثنائية نتيجة لذلك. في حوار أجرته معه «الأخبار» لدى عرض الفيلم في صالاتنا العام الماضي، أخبرنا أنه أراد إنجاز فيلم قد يرغب في رؤيته في صالات السينما، فمال مرة أخرى إلى الكوميديا التي عُرف بها، مازجاً إياها بعناصر من الفيلم البوليسي الذي يحتفظ بالغموض حتى النهاية. يدرك المخرج حين ينظر من حوله أن مجتمعنا غير طبيعي، لذا أراد لشخصياته أيضاً أن تعكس الحالة.
وثائقي آخر يضمّه «أسبوع الفيلم اللبناني» إلى لائحته هو «كشكش» (30/10 ــــ س:19:00 ـ فوكس) لليا نجار. سبق أن عرض العمل للمرة الأولى في إطار «أسبوع الفيلم الألماني» الأخير في بيروت. في فيلمها الطويل الأول، تصطحبنا نجار إلى أسطح المنازل المرتفعة في المدينة حيث اكتشفت ــ كما تقول في تعريفها عن الفيلم ــــ فسحة أمل غير متوقعة عبر لعبة الحظ «كش الحمام» ومتابعتها لثلاثة رجال يهوونها. كانت تلك الأسطح في رأيها ملاذاً للهروب من المدينة الممزقة بسبب الفساد السياسي المنتشر وتداعيات الانفجار المدمر والمؤلم الذي هزّ بيروت.
ويختتم الحدث بفيلم «عا أمل تجي» (30/10 ــ س:19:00 ـــ فوكس) لجورج بيتر بربري الذي سبق أن حظي بعروض تجارية في صالات بيروت العام الماضي، وكانت أيضاً لديه مشاركات في مهرجانات أبرزها «برلين» عام 2021. في اختصار، يتشارك إتيان وأصدقاؤهُ تجربتهم الجنسية الأولى عندما يقرران زيارة بائعة هوى في رحلة بحث عن الذات وما يجري في داخلها أولاً.

* «أسبوع الفيلم اللبناني»: بدءاً من اليوم حتى 30 تشرين الأول (أكتوبر) ــــ الدخول مجّاني. الحجز إلزامي إلكترونياً عبر موقع metropoliscinema.net