بوجهه المعدني المحفور، صوته الأيقوني، فمه الخالي من الشفاه، عينيه الزرقاوين الصافيتين، اللتين يمكن أن ترى من خلالهما مباشرةً رغم أنهما تبدوان ميتتين بعض الشيء... تلألأ راي ليوتا (1954 – 2022) في مشاهد بعض أكثر الأفلام إثارةً في نصف القرن الماضي. كان مثل الصاعقة في أوائل التسعينيات. وقع اسمه ينتمي للماضي، إلى الخمسينيات أو الستينيات، وسيم بشكل صادم. مع ذلك، كان بعيداً عنا، نهابه بعض الشيء، عندما يظهر على الشاشة لا يسعنا إلا أن نخاف وننتظر الأسوأ. كان ودوداً إلى درجة الشك. عندما يبتسم، لا تعرف إن كان يريد أن يصافحك أو يدقّ عنقك، أو الاثنين معاً. هو الأكثر خطورة من بين جميع الأصدقاء في «غودفيلاز» (1990 – متوافر على نتفليكس)، منذ أن أحرق السيارة وهو مراهق، حتى دخوله من المطبخ لنادي كوباكابانا (The Copa Shot)، في أحد أشهر المشاهد في السينما تقنياً، عدا عن كونه بمثابة المدخل السحري إلى عالم هنري هيل الخطير الذي لطالما أراد أن يكون رجل مافيا، أعاد خلقه مايكل سكورسيزي وأبدع ليوتا بأدائه.قبل إطلاق اسمه في تاريخ السينما إلى جانب روبرت دي نيرو وجو بيشي، في «غودفيلاز» الذي جلب فيه سكورسيزي المافيا إلى موسيقى الروك أند رول، والبناطيل الرياضية، وكرات اللحم، وواقعة ثقافة البوب، والأدرينالين والدم... وسط قالب بركاني، ظهر ليوتا بملامحه الواضحة وعينيه الغارقتين في جنون العظمة وضحكته الشيطانية ككرة ثلج وسط انهيار جليدي، لا يمكن حتى للنار أن تقف بوجهها. الطاقة التي استثمرها ليوتا في هذا الفيلم، طاقة شريرة، غير مقيدة، إجرامية، قاتلة، شكلت العديد من أفلامه. مراراً وتكراراً تحولت ابتسامته إلى ضحكة تجعلنا نشعر بالبرد. لم يتغير ليوتا كثيراً منذ رأيناه في دور راي سنكلير، صديق أندري (ميلاني غريفيث) العنيف والمتملك في فيلم «صديقة خطيرة» (1986). هو المتمرس في دور رجل المافيا، السايكوباتيين، رجال الشرطة المتوحشين، عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي، المدمرين، خاطفي الطائرات، المجرمين الهاربين والعلماء المجانين والمحامين الأذكياء. غالباً ما كان يلعب دور الشخصية المضطربة نفسياً أو الرجل القوي الذي يكون دائماً على وشك السقوط والفشل. كل هذا يختلف عن دوره كضحية هانيبال ليكتر في الجزء الثاني من فيلم «صمت الحملان»
«هانيبال» (2001)، نراه مفتوح الرأس بينما يتم قلي دماغه. اختيار لا يمكن تفسيره إلا كسخرية ذاتية من قبل ليوتا نفسه.
كان يلعب دوماً دور الشخصية المضطربة نفسياً أو الرجل القوي


يجلب ليوتا الفوضى إلى الفيلم في كل مشهد يظهر فيه. هو غير منتظم، حساس، ذكي ومغناطيسي، يعرف كيف يسرق النص في دقيقة. رأيناه في «بلو» أمام جوني ديب، و«ريفولفر» لغاي ريتشي، و«كوب لاند» مع سلفستر ستالون ودي نيرو، و«جوني كيو» مع دينزيل واشنطن، و«نو سادن موف» لستيفن سودربيرغ، و«قصة زواج» لنواه بومباك (متوافر على نتفليكس). ما ذكرناه ليس سوى القليل من أعماله، ترك ليوتا ذاكرة سينمائية طويلة، مع أربعة عقود من العمل وأكثر من مئة فيلم بين السينما والتلفزيون، عدا أدواره في بعض المسلسلات. هو من الممثلين الذين يجسّدون شخصيّتهم بإقناع، بحيث يسهل نسيان أنهم يمثلون. كان هناك وعد بالحياة، بالمغامرة، في شخصياته.
الطفل الذي وضعه والداه في دار الأيتام، وتمّ تبنيه في سن ستة أشهر، كان شاباً عندما غزا هوليوود. ممثل نجا من كل شيء، كان بعيداً عن الهالة الخطيرة التي خلقها على الشاشة، يغادرنا قبل أسبوعين فقط من الذكرى العاشرة لوفاة هنري هيل الحقيقي. لا أدواره الصغيرة ولا ندرة الفرص الكبيرة ولا بخل الجوائز وغطرسة المنتجين، يمكن أن تبدّد إرثه الذي يصم الآذان.

* «غودفيلاز» و«قصة زواج» على نتفليكس