لبنان، 1974. الجامعة الأميركية في بيروت، طلاب، إدارة، واحتلال! وسط حالة من الغليان الفكري الثقافي والسياسي الذي سبق الحرب الأهلية اللبنانية، احتل عدد من طلاب الجامعة المباني احتجاجاً على ارتفاع الرسوم الدراسية بنسبة 10% لمدة 37 يوماً. احتل الطلاب معظم المباني وجميع مداخلها. تم تأسيس إذاعة، علّقت مكبرات الصوت في الحرم الجامعي وحول بيت الرئيس. في «7٤ ــ استعادة لنضال» (ساعة و40 دقيقة ـــ 2012)، استعاد المخرجان رانيا ورائد الرافعي حدثاً مفصلياً في تاريخ لبنان، أعادا قراءة الأحداث القديمة، وفي الوقت نفسه، بحثا عن صداها في وقتنا الحاضر. «74 ـ استعادة لنضال» ليس فيلماً وثائقياً، بل هو ارتجال سينمائي فكري وثقافي وسياسي في قالب خيال وثائقي. يجتمع قياديو الطلاب، فواز (نزار سليمان) وحنظلة (معروف مولود) وعليا (ساندرا نجيم) وإياد (يسري الشامي) وغسان (أسعد ذبيان) ويوسف (نسيم عربي) وريما (ريتا هدرج) في مكتب مدير الجامعة الذي أصبح مركز القيادة لاتخاذ القرارات التي تلت الاحتلال والوصول إلى مطالبهم. كل شيء حقيقي في الفيلم وكل شيء خيالي، هكذا تم تصوير أبطال الأمس من قبل الممثلين. وهنا يشرعون في تجربة قائمة على الارتجال بشكل مسرحي. بين الماضي والحاضر، تنتقّل الذكريات بحرية إلى كلمات الحاضر، وتختلط كلمات الأمس بنضالات اليوم.
لم يهتم رانيا ورائد في سرديتهما بالإجابات بقدر اهتمامهما بطرح الأسئلة. تمّ فلش القضية الأساسية من خلال الراوي والشخصيات لتشمل الواقع السياسي في البلاد، الإضرابات العمالية، النضالات من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية، تواطؤ الجامعة مع الرأسمالية، الثورة الكوبية، فلسطين والعدوان الإسرائيلي على لبنان. ناقش الطلاب الآثار المترتّبة على قضيتهم. يرى يوسف أن زيادة الأقساط تهدف إلى النخبوية، وأن نضالهم صراع طبقي. يجادل غسان أن الغرب يسعى إلى تكوين حلفاء ليسوا فقط عسكريين، بل أيضاً من خلال تثقيف قادة المستقبل العرب داخل الجامعة. يناضل حنظلة ضد تحويل المجتمع إلى مجتمع مُؤمرَك. يقول إن صراع الطلاب في الجامعة لا يختلف عن صراع الفلسطينيين والعرب ضد إسرائيل. بالنسبة إلى فواز، هدف إدارة الجامعة هو تحويل الطلاب إلى مستهلكين لتلبية احتياجات السوق الخاص بالغرب. ريما تهاجم الجميع بسبب إيديولوجيّتهم، بينما هي موجودة فقط بسبب الزيادة على الرسوم ولا يهمّها أي صراع آخر.
يعرّفنا المخرجان إلى كل الشخصيات على حدة من خلال مقابلات خاصة. نتعرف إلى أفكار الجميع وأهدافهم ومخاوفهم. مزج المخرجان الوثائقي والخيال، التقطا الواقع كما هو وقدّما في الوقت نفسه عناصر غير واقعية أو مواقف خيالية من خلال السرد بهدف تعزيز تمثيل الواقع. «74 ــ استعادة لنضال» فيلم وثائقي مطعّم بالعناصر الخيالية، ما حوّلنا من متفرجين على وثائقي تقليدي، إلى مشاركين في الحوار والأحداث. بغضّ النظر عن نجاح الاحتلال أو فشله، فإنّ المخرجيْن درسا جيداً ما حدث ونقلاه إلينا من خلال شخوصهما الذين كشفوا النجاحات والإخفاقات والأخطاء التي حصلت، والتي نكتشفها من خلال حواراتهم. «74 ـ استعادة لنضال» فيلم هجين، أعطى المخرجين الحرية في القصة ومنح الشخصيات حرية الارتجال. إن قدرة الشخصيات على التحدث والتصرف بالطريقة التي ستفعلها لو كانت في الجامعة أيام الاحتلال، لسمحت للقصة بالتدفق بشكل أفضل والشعور بالواقعية بأكبر قدر ممكن.
تجربة قائمة على الارتجال بشكل مسرحي


بدأت الحكاية قبل أشهر من بداية الحرب الأهلية اللبنانية، وشملت مساحة زمنية أوسع، وصلت إلى اليوم مع الراهن السياسي والاجتماعي في لبنان. لبنان لم يتغيّر منذ 74. نجد أنفسنا أمام معضلة زمنية. الراوي يروي أحداثاً حقيقية باليوم والساعة، وعلى الشاشة يظهر التاريخ مع عدد أيام الاعتصام والشخصيات تتحدث عن مشاكلها التي لم تتغير إلى اليوم. وبسبب الارتجال، نسأل أنفسنا: هل الطلاب يتكلّمون عن أحداث ماضية أم عن واقعهم اليوم في لبنان؟

* «74 ــ استعادة لنضال» متوافر لغاية اليوم على منصّة «أفلامنا» ـ www.aflamuna.online