بعد إغلاقها لمدة عام تقريباً بسبب جائحة كورونا، عدنا إلى الصالات السينمائية في الفصل الثالث من عام 2021. لم تكن هذه المرة الأولى في التاريخ. في عام 1918، أُقفلت الصالات والمسارح خلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية، وتوقفت الصناعة كلياً لأن الناس كانوا يشاهدون الأفلام فقط في الصالات. تعتبر الفترة بين عام 1918 وعام 1920 نقطة تحول للصناعة السينمائية، خصوصاً في أميركا. وقتها، كان هناك حراك داخل الصناعة لإرساء آلية أكثر تنظيماً وعروض أكثر كفاءة. وحقيقة أن الوباء حدث في خضم ذلك جعل هذه التغيّرات أكثر عمقاً. توقفت العديد من الشركات الصغيرة عن العمل، وأدى اندماج الشركات إلى إنشاء الاستوديوهات الكبيرة التي أصبحت سادة الإنتاج والتوزيع والعرض معاً. أدّت الإنفلونزا جنباً إلى جنب مع نهاية الحرب، إلى ظهور هوليوود الضخمة التي تشبه ما هي عليه اليوم. على الرغم من كلّ ما حصل، والخسائر الكبيرة التي منيت بها الصناعة، إلا أننا لم نتوقف عن مشاهدة الأفلام في عام 2021. المنصات الرقميّة أخذت الحيز الأكبر من الصناعة. ونحن اليوم في خضم تغيّر كبير على الساحة السينمائية، خصوصاً أنّنا لم نتخلص من الجائحة بعد. أُعيد فتح الصالات، وبدأ عرض الأفلام التجارية الكبيرة التي تأجّلت مراراً مثل «لا وقت للموت» و«ديون» وأفلام «مارڤل» الضخمة («الأرملة السوداء»، «الفرقة الانتحارية»، «تشانغ شي»، «ڤينوم 2»، «الخالدون»). عدنا إلى الصالات، وعاد شباك التذاكر ليحقّق أرباحاً، ولو أنّها ليست كبيرة. إلا أنّها جيدة. مهرجانات مثل «كان» و«البندقية» استقبلت المشاهدين في الصيف، بعدما عرض «مهرجان برلين 2021» أفلامه أونلاين فقط. لم تقض الجائحة على السينما. أفلام عظيمة رأيناها هذه السنة، خصوصاً في الثلث الأخير منها. أفلام لمخرجين كبار، وآخرين جدد ومفاجآت وخيبات أمل من مخرجين طالما عشقناهم أمثال بول توماس اندرسون. لكنّ عام 2021 لم يكن عاماً فارغاً للصناعة السينمائية. على العكس تماماً، رأينا أفلاماً هذه السنة يمكن اعتبارها الأجمل منذ سنوات طويلة. السينما العربية كذلك منيت بخسائر كبيرة. مع ذلك، شاهدنا العديد من الأفلام العربية مثل «البحر أمامكم» و«كوستا براڤا» من لبنان، و«الحارة» و«فرحة» و«أميرة» من الأردن، و«الغريب» من فلسطين، و«كابتن الزعتري» و«سعاد» من مصر، و«هيليوبولس» من الجزائر. كما اتاحت لنا المنصات الرقمية مشاهدة الكثير من الأفلام العربية القديمة والحديثة، خصوصاً من فلسطين. والآن حان موعد الحصاد... إليكم اختياراتنا للأفلام التي أعجبتنا في عام 2021
«قودي سيارتي» (Drive my car)
يوروسويكي هاماغوتشي، اليابان



استناداً إلى قصص قصيرة للكاتب الياباني هاروكي موراكامي، انتصر المخرج الياباني يوروسوكي عاماغوتشي هذا العام في فيلم يتربّع على عرش أفلام هذه السنة بلا منازع. من الصعب فهم سرّ هذا الفيلم، هاماغوتشي وصف المشاعر الضعيفة والصامتة شيئاً فشيئاً بطريقة سرية. مشاعر شقّت طريقها في مشاهد الفيلم القادر على مفاجأتنا باستمرار من دون أن يفقد الواقعية والشفافية. ثلاث ساعات من المشاعر المحتواة، في نص يخلط موراكامي بسينما هاماغوتشي ومسرح تشيخوف. الخوف والعار والشعور بالذنب تختلط مع القصص الشفوية، ويتلاشى الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال. متألق بدقته واتزانه الأنيق، «قودي سيارتي» هو السينما الحقيقية. سينما تتحرك مع الحقيقة الإنسانية التي تحتويها، مع القصص الخيالية التي تتحدث إلينا وتنظر في وجوهنا. هاماغوتشي قدم تحفة لا تشوبها شائبة، مزعج كم هو مثالي. فيلم مهذّب ومحترم تجاه موراكامي وشخصياته وتجاه الجمهور الذي يشاهد. فيلم طريق يذهب بعيداً جداً في أفق لا نهاية له. داخل السيارة، هذه المساحة الصغيرة، تصبح ضخمة وحميمية مع هاماغوتشي، وفيها اعترافات غريبين يحرّران نفسيهما.

«فكّ القبضة» (Unlenching the fists)
كيرا كوڤالنكو، روسيا



«فك القبضة» فيلم تتألم لمشاهدته. كل فعل وإشارة وحركة وكلمة ستؤدي إلى النهاية غير المتوقعة والمدمّرة. في بلدة ميزور في أوسيتيا الشمالية في روسيا، المنطقة التي شهدت أفظع الجرائم في تاريخنا الحديث (عام 2004، على إثر أزمة رهائن مدرسة بسلان، قُتل 320 رهينة على الأقل بينهم 186 طفلاً)، وضعتنا المخرجة الروسية كيرا كوڤالنكو في فيلمها الطويل الأول. محصورة بين المنحدرات الجبلية وعدد قليل من المباني ذات الطراز الشيوعي المنتشرة على طول وادي النهر، هذا المكان المعزول في روسيا هو المكان المثالي لدراما خانقة حول طريقة العيش اليوم هناك، والتروما التي لا تزال تلاحق الشباب الذين كانوا يوماً رهينة في المدرسة. هو فيلم خانق تلتصق كاميراته بالشخصيات التي تختنق، ما يخلق جواً عاماً من القلق، وتكثف الدراما العائلية من خلال ألعاب الأضواء والظلال والخراب في النهار ووميض الحرية في الليل. «فك القبضة» فيلم رمادي تتحول فيه الحوارات إلى صدامات جسدية وقبضة متشبّثة. بسبب المشكلات التي نكتشفها مع مرور الدقائق في ما يتعلق بماضي العائلة والأحداث المأساوية التي وقعت في المنطقة، يصبح «فك القبضة» فيلماً قاسياً وخشناً وواقعياً بشكل كبير. مؤلم وعظيم فيلم كوڤالنكو يتحول فيه هذا اليأس المرير والقبح اليومي الذي لا يمكن تصديقه إلى تجربة مرهقة مُبكية وحقيقية.

«مأساة ماكبث» (The tragedy of Macbeth)
جويل كوين، الولايات المتحدة الأميركية



بمزيج بين مأساة ماكبث وجماليات السينما التعبيرية الألمانية، خلق المخرج جويل كوين فيلماً كابوسياً وبصرياً مذهلاً. هناك قصص معروفة عالمياً، إلى درجة أن الشيء الوحيد المتبقّي لروايتها من جديد هو العودة إلى نسختها الأصلية. هذا كان هدف المخرج جويل كوين الذي استعاد تحفة شكسبير. عاد جويل ليس فقط إلى نصّ المسرحية، بل إلى أكثر الأوقات تعبيريةً في تاريخ السينما. «مأساة ماكبث» ليست سينما تقليدية. يحيط كوين الشخصيات بهندسة سينمائية مسرحية مهيبة من الظلال والسلالم والأسوار والنوافذ الممتدة إلى السماء والجدران التي لا نرى سقفها. لقد قدّم المأساة بكامل روعتها وأبعادها، وأحاط نفسه أيضاً بممثلين لن يكونا بعيدين عن جائزة الأوسكار: دنزل واشنطن وفرانسيس ماكدورمانت.

«ذاكرة» (Memoria)
أبيتشابونغ ويراسيتاكول، تايلند



في المشهد الأول من فيلم «ذاكرة»، نرى امرأة نائمة. فجأة نسمع ضجيجاً. هذا الصوت الغريب الوحشي يجعلها تقف. يستغرق هذا المشهد وحده عشر دقائق، لا نرى فيها شيئاً آخر، لكننا نسمع، وما نسمعه هو سحر. سينما المخرج التايلندي أبيتشابونغ ويراسيتاكول هي تجربة، وهذه السنة ليست فقط مرئية ولكن سمعية أيضاً. «ذاكرة» يتلاعب بالأفكار المغروسة داخل عقل من يشاهد الفيلم. شريط جميل وغامض. إنّها سينما أبيتشابونغ البطيئة. سينما تلامس القلب وتشوّش العقل وتتواصل مع الروح. «ذاكرة» أبعد من أن يكون مجرد فيلم، ولهذا هو عظيم وإنجاز مثير وغامض.

«قوة الكلب» (The Power of the Dog)
جاين كامبيون، نيوزيلندا



«قوة الكلب» لجاين كامبيون يعمل كإحساس مرهق بالانجراف نحو مكان ما. قدّمت كامبيون قصة قوية ومراوغة، مليئة بالتقلبات الواضحة، شفافة في شكلها الظاهر، ولكن يصعب فهمها، على الأقل حتى المشهد الأخير الذي هو كبداية توازن جديد في حياة الشخصيات وظروفها. «قوة الكلب» يخاطر بالانتماء إلى سينما الويسترن، على الرغم من أنه يفرض نفسه كحكاية عن الهواجس والمشاجرات العائلية والتلميح إلى الدراما القوطية وحتى المغازلة العرضية. إلا أنه مراجعة معقّدة وغريبة للغرب الأميركي. هو بمثابة تفكيك ناجح للغرب الأميركي، يسائل معنى الذكورة، ليجيب بأن نفسية الذكر ما هي إلا نبضات لا يمكن السيطرة عليها ورغبات ومشاعر مكبوتة. في «قوة الكلب»، نتذكر أن في ألعاب القوة والانتقام، لا ينجو الأقوى، بل الأكثر ذكاء.

C’mon C’mon
مايك ميلز، الولايات المتحدة



في فيلمه الجديد، يتطرق مايك ميلز مرة أخرى إلى عدد من الموضوعات المألوفة في أفلامه: عملية النمو والنضج، المرور من الطفولة إلى البلوغ، كيفية إقامة علاقة مع الآخرين، خاصة مع الكبار. بفضل ميلز والممثل واكين فينكس والولد وودي نورمان الرائع، ننغمس في قصة مسلية وعاطفية ومثيرة وعمل منمّق حول العلاقات بين الأجيال وكيفية إقامة الاتصال مع الآخرين في كل الاتجاهات. يجمع ميلز الروابط الأسرية والصدمات الاجتماعية والاضطراب العقلي وآليات الحداد في التعقيد اللامتناهي للروابط الأسرية. فيلم بنبرة ودية وبمظهر بسيط يحتوي على الكثير من الحوارات في عالم من الجروح التي تلتئم بشكل سيّئ. من الصعب العثور على تصدعات في نص دقيق لدرجة المرض، يحوّل الفيلم إلى تجربة حسية كاملة في سرد قصة واضحة المعالم.

«بطل - قهرمان» (A Hero)
أصغر فرهادي، إيران



عاد فرهادي إلى إيران، عاد إلى مجتمع يعرفه حق المعرفة. عاد ليخلق شخصيات معقّدة وقصصاً تحتوي على استفزازات أخلاقية. «بطل» تذكير بأن الحياة في المجتمع تنبثق من الصدام بين رغبات الأفراد وهواجسهم، وأن القدر في المجتمع الإسلامي يكبل الجميع. وإذا كان فيلم «بطل» دراسة للحالة الاجتماعية في إيران، ستكون النتيجة الوحيدة هو فقدان الأمل بالمجتمع. يُظهر «قهرمان» الانكسارات داخل شخصية تحاول محاربة المحن التي تضعها الحياة في وجهها. بطل لا يمكن تلميع صورته إلا من خلال المواربة واللعب على المشاعر وكسب التعاطف من خلال الأفعال الجيدة أخلاقياً، لأن المجتمع لا يسامح من يخطئ، ولأن «الصدق والأمانة والشرف» أهم من أي شيء آخر.

«عدّاد الورق» (The Card Counter)
بول شريدر، الولايات المتحدة



بول شريدر يمتلك كل أسرار اللغة السينمائية. لاعبنا الكبير يخلط الأوراق باستمرار ويعيد توزيعها. عندما نعتقد أننا أمام فيلم صغير مبنيّ على السيناريو فقط لا الصورة، يأخذنا المخرج فجأة نحو الكابوس، إلى سجن أبو غريب من خلال تقنيات بصرية وشاشة مشوّهة. وعندما نعتقد أننا أمام فيلم تم الاعتماد فيه على طريقة التصوير فقط، تخرج الموسيقى والصوت ليعيدانا إلى الدوران من جديد. وإذا اعتقدنا أننا نتجول داخل كازينوهات «أتلانتيك سيتي» و«كابيتول سيتي» بعيداً عن الأضواء المتلألئة في لاس فيغاس، يعيدنا شريدر إلى جمال تركيبات الإضاءة الرائعة. وإذا كانت اللعبة هي السينما، فإن اللاعب الحقيقي الذي لا يوصف، البطل القادر على السيطرة على كل لحظة من اللعبة، ويعرف كل حركة وكل قاعدة وأكبر سر خفيّ في الوسط، ليس سوى بول شريدر. مخرج وكاتب لا يزال قادراً على تجديد فكره السينمائي وأسلوبه، ولا يخون رؤيته. أخذ المفاهيم السينمائية إلى أقصى الحدود، ورفع الوسائط المرئية إلى مستوى أشد تعقيداً وغرابةً. صنع بول شريدر فيلماً مناهضاً للبوكر. ليس هناك بريق في لعبة «البلاك جاك». فقط روتين الانتظار، والمعادلات الرياضية التي تتكرر في دوائر متحدة المركز حتى يصبح فيها العقل الفارغ جاهزاً لتحرير نفسه من جروحه. شريدر قادر على أن يقودنا إلى قلب الدراما البشرية المخيفة. يرفض خداعنا ويكشف حقيقة صورة أميركا اليوم.

«البحر أمامكم»
إيلي داغر، لبنان



«البحر أمامكم» لوحة لامتناهية من الأحاسيس غير الملموسة وصعبة التفسير. فيلم خلّاق أتعب المخرج ولكنه أكثر من ذلك يريد إنهاك عقولنا. نحن رفاق درب جنى (منال عيسى)، نشاركها الضياع. لا نسبقها ولا تسبقنا، لكننا نفترق حاملين التساؤلات ذاتها، ولا نعرف على وجه اليقين إن كان الفيلم بداية لشيء جديد، لكنه بكل تأكيد نهاية حقبة ماضية. شخصية رئيسية في الفيلم وجدت طوال الوقت، تحدثت دائماً معنا، رأيناها بهيأتها الحقيقية المشوّهة وسمعناها تصرخ. بيروت في الفيلم حزينة، رمادية، ضبابية، مدينة أشباح، نسمع صداها من بعيد تطلب النجاة. إيلي داغر متكبر متعجرف ونرجسي في أفكاره. يعبد النهايات، ويهلل للفناء، ضارباً عرضَ الحائط بالاعتبارات والمسلمات. أغرق بيروت، كشف بنيانها الهشّ والفارغ لا بل الكاذب. أغرق سكانها وأبطأ الصورة ليرينا ثقل تحركهم في الماء. زيّن بيروت باللون الرمادي الذي يشبهها، وقدم الميلانكوليا على شكل تسونامي يبتلع السماء والأرض وينهي العالم.

«قصة الحيّ الغربي» (West Side Story)
ستيڤن سبيلبرغ، الولايات المتحدة



كل شيء عظيم في النسخة الجديدة من «قصة الحي الغربي». كل شيء مثير للإعجاب وعنيف ومشحون عاطفياً. كل شيء حقيقي. إنه علامة بارزة في الأفلام الموسيقية. معجزة ستيفن سبيلبرغ الجديدة، لا شيء يضاهيها. عمل عظيم بشكل لا يصدق، كل ديناميكيات الأفلام السينمائية تم تحقيقها بطريقة ممتازة. «قصة الحي الغربي» فيلم أميركي بحت وهوليوودي بحت، لم يسبق له مثيل، كل ملليمتر فيه، هو هدية من السينما لنا. ما حقّقه ستيفن سبيلبرغ في «قصة الحيّ الغربي» معجزة سينمائية، من خلال قدرته على الحفاظ على جوهر الفيلم الأصلي على المستويَين الموسيقي والسردي. عاد سبيلبرغ إلى طفولته، إلى أصل شغفه بالأفلام، معيداً صياغة قصة فيلم طفولته المفضل. أفضل ميزة في نسخة سبيلبرغ أنه لم يحاول تحديث الفيلم، بل صنعه بيد تقدّر حقاً قيمته.
«صيف السول (...أو، عندما لا يمكن بثّ الثورة على التلفزيون)»،

Summer of Soul (...or, When the Revolution Could Not be Televised)
كويستلوڤ، الولايات المتحدة



خلال صيف عام 1969، أقيم مهرجان هارلم الثقافي، وهو عبارة عن سلسلة من الحفلات الموسيقية لبعض أفضل الفنانين الموسيقيين في ذلك الوقت، ومعظمهم من السود. ستيڤي ووندر، ماهاليا جاكسون، نينا سيمون، سلاي، بي بي كينغ، غلاديس نايت هم مجرد عدد قليل من الأسماء التي شكّلت هذا المهرجان المبهر. تم تصوير هذه الحفلات كاملة، ولكن لمدة نصف قرن، كانت هذه اللقطات تجمع فقط الغبار في الصناديق، حتى قرر الموسيقي كويستلوڤ استخراجها وتحويلها إلى فيلم وثائقي نابض بالحياة. غالبية العروض غير عادية، ولكن أعظم شيء في الوثائقي هو الجمهور الكبير الذي يتألّف كله من السود: البشرة السمراء، تسريحات الشعر الضخمة، القمصان الواسعة، الفهود السود للحماية والأطفال والنساء الذين يتحركون على إيقاع الموسيقى. أثناء الجمع بين المشاهد الأرشيفية والشهادات ممن هم على قيد الحياة، يعمل الوثائقي كتذكير بالتجربة الجماعية الرائعة التي يمكن أن توفرها الموسيقى الحية. فيلم ينقل الفرح الخالص ولكنه في الوقت نفسه يوضح مدى ارتباط هذا الفرح بالألم التاريخي.

Bad Luck Banging or Loony Porn
رادو جود، رومانيا



متسلّحاً بالهستيريا الاجتماعية التي نشهدها اليوم، بين الأقنعة التي نضعها وحجرنا الصحي (صور الشريط خلال جائحة كورونا)، يقدم لنا جود فيلماً بثلاثة أجزاء مختلفة... من المشهد الأول الذي يعرض فيه جود الفيديو الجنسي (بورن) بكامله، إلى المحاكمة وكفاح المعلمة للدفاع عن حقوقها ومبادئها وقناعتها، وتعريف ما هو فاحش أو إباحي أو منحرف، وبين فكَّي الرقابة الاجتماعية. ندرك أن حالة النفاق والفساد هي مصدر السخافات التي لا يمكن حتى لشخصيات لوني تونز المرسومة على بعض الكمامات احتواؤها. فيلم رادو جود الجديد هو رسم كاريكاتوري سياسي، نكتة تتعلق بالزمن الحاضر، يظهر معضلات أخلاقية مقلقة ويأساً من مجتمع له أولويات مضطربة.

«حفّار» (Digger)
جورجيس غريغوراكيس، اليونان



صُوّر في منطقة جبلية على ارتفاع 1300 متر شمال اليونان. ضباب الصباح، البرد القارس بين المطر والثلج والانهيارات الطينية. هناك يوجد رجل مسنّ عاش دائماً في غابات الجبال، ابنه البالغ ثلاثين عاماً يعود بعد عشرين سنة، إلى ميراث يريد تقاسمه. «حفّار» الفيلم الطويل الأول للمخرج اليوناني جورجيس غريغوراكيس مرير ورصين، يعقّد ويفكّك العلاقة بين الأب والابن كما يفكك العلاقة بين الطبيعة والإنسان. فيلم بارد كالغابات، رقيق وكئيب، يدخل بين الجلد واللحم بمشاهده الطويلة الصامتة معظم الوقت بينما المشاعر تتدفّق من عيون شخصياته. يعمّق غريغوراكيس الجراح ثم يضمّدها كما ضمّد الابن جراح أبيه في المشهد النهائي المهيب.