ماذا يُمكن أن يحدث عندما تتحوّل الأمومة إلى عبء؟ ماذا لو أن الأمومة ليست معجزة؟ ماذا لو قرّرت الأم أن تتخلّى عن كلّ شيء وتترك عائلتها بحثاً عن حياة جديدة؟ فهل يمكن لومها؟ يمكن للأم الجديدة أن تفقد نفسها، أن تتخلّى عن أولادها، أن تنهار تحت وطأة المسؤوليّة، أن تفقد رغبتها في الحياة وتفقد حياتها المهنيّة. هذه المشاعر لطالما كان التعبير عنها محرّماً. هناك خوف من الحديث عن الأمومة وثقلها النّفسي على المرأة. الكاتبة الإيطالية المعروفة باسم إيلينا فيرانتي (مجهولة الهوية) تتحدّث في كتابها «الابنة المفقودة» عن هذه المشاعر المسكوت عنها. تحدّثت عن الأمومة وذكرت بلا خجل ما تعيشه نساء كثيرات ولا يجرؤن على الحديث عنه. تكشف عن التضحية بالنفس والصراع الدّاخلي الذي يأتي مع الأمومة. رواية الكاتبة الإيطالية نقلتها الممثّلة والمخرجة للمرة الأولى ماغي جيلينهال إلى السينما. ليدا (أوليڤيا كولمان) الأربعينيّة وصلت إلى شواطئ اليونان لكي تبدأ إجازتها، هي تهضم ذنبها وتُعانق أخطاء الماضي، ولا تزال مقتنعة وغير نادمة أنّها في يوم من الأيام اختارت نفسها على ابنتَيها وزوجها وتركت البيت. الإجازة التي كانت تأمل أن تكون خالية من الهموم تتبدّد عندما تضطرّ من جديد للتفكير في حياتها وقراراتها ومعنى أن تكون أمّاً.
أسلوب المخرجة أقرب إلى السينما الأوروبية منه إلى السينما الأميركية

يتأرجح الفيلم بين الماضي والحاضر، ويبدأ الماضي شيئاً فشيئاً ليُصبح أكثر ثراء من الحاضر. ليس فقط لأنه يعكس توتر العلاقة بين ليدا وابنتيها الصغيرتَين، لكن لأنّ المخرجة أوضحت أفكارها أكثر ولم ترسم ليدا على أنّها «أم سيئة»، ولكن كامرأة ذات دوافع ورغبات لا تتوافق تماماً مع كونها أماً. في الحاضر، سلسلة من الأحداث تقع على الجزيرة مرتبطة بالتوتر التي خلقته ليدا لنفسها من دون أي مبرر. لذلك كنا نتمنّى لو أنّ الفيلم كلّه كان في الماضي وصراع ليدا الصغيرة مع الأمومة. يعالج الفيلم بصراحة وبدون حلول كاذبة مشكلة الأمومة بطريقة عبّرت فيها المخرجة بأسلوب قريب من السينما الأوروبية أكثر من السينما الأميركية. في بعض الأحيان، يبدو الفيلم مبالغاً في أفكاره ومباشراً جداً، لكنه منفتح ويقدّم أفكار الأمهات أو من هنّ غير راغبات في الأمومة.
الفيلم الأول لماغي ليس سيئاً ولكنه مضعضع بعض الشيء. هناك الكثير من الأشياء والأحداث غير المفهومة. لا نعرف نوايا الشخصيات، ولا سبب تصرّفها على هذا النحو. أغضب الفيلم عشاق فيرانتي، واعتبر منتقدوه أنّ الكتاب أفضل بكثير من الفيلم، وأنّ هناك الكثير من الأحداث التي وقعت في الكتاب لم تُذكر في الفيلم، مما أوقع الأخير في الضياع. وهذا ما قد يشعر به حتى مَن شاهد الفيلم بدون أن يقرأ الكتاب.

The Lost Daughter في الصالات وعلى نتفليكس بدءاً من 31 كانون الأول (ديسمبر)