«قصّة الحيّ الغربي» (2021) هو النسخة الجديدة التي طال انتظارها من المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ لإحدى أعظم المسرحيّات الموسيقيّة في تاريخ السينما وبرودواي. منذ ولادتها كمسرحية في برودواي من تأليف ستيڤن سوندهايم (1930 – 2021) وتحويلها إلى فيلم عام 1961 وحصولها على عشر جوائز أوسكار، لا يمكن إنكار التأثير الكبير التي تركته المسرحية (مستوحاة من مسرحية «روميو وجولييت» لشكسبير)، والفيلم على الأجيال. اليوم، وبعد ستّين عاماً على الفيلم الأصلي الذي أخرجه روبرت وايز وجيروم روبينز، أعاده سبيلبرغ إلى الشاشة الكبيرة. هناك دائماً شكوك حول إعادة إنتاج فيلم، بخاصة عندما يتعلق الأمر بكلاسيكية بهذا الحجم. ولكن كل شيء عظيم في النسخة الجديدة «قصة الحي الغربي». كل شيء مثير للإعجاب وعنيف ومشحون عاطفياً. كل شيء حقيقي. إنّه علامة بارزة في الأفلام الموسيقيّة. معجزة ستيفن سبيلبرغ الجديدة، لا شيء يضاهيها، عمل عظيم بشكل لا يُصدّق، كل ديناميكيّات الأفلام السينمائية تم تحقيقها بطريقة ممتازة. «قصة الحي الغربي» فيلم أميركي بحت وهوليوودي بحت، لم يسبق له مثيل، كل ملّيمتر فيه، هو هدية من السينما لنا.
الكاميرا تطفو على إيقاع النغمات الموسيقية وتصميم الرقصات

ما حقّقه ستيفن سبيلبرغ في «قصة الحيّ الغربي» معجزة سينمائيّة، من خلال قدرته على الحفاظ على جوهر الفيلم الأصلي على المستويَين الموسيقي والسردي. عاد سبيلبرغ إلى طفولته، إلى أصل شغفه بالأفلام، معيداً صياغة قصة فيلم طفولته المفضل. أفضل ميزة في نسخة سبيلبرغ أنّه لم يحاول تحديث الفيلم، بل صنعه بيد تقدّر حقاً قيمته. منح هذه النسخة الجديدة إيقاعاً بصريّاً وسمعيّاً جديداً منذ بداية الفيلم والمواجهة بين «الجتس» و«الشاركس». كتب ليونارد بيرنشتاين، أحد أعظم قادة الفرق الموسيقيّة في القرن العشرين مقطوعات موسيقيّة فريدة، واضعاً عليها كلمات ستيفن سوندهايم الصادقة والمرحة. حافظ على كل شيء أصليّاً، وحتى الكوريغرافيا هي نفسها ترتكو إلى الباليه. ووجود ريتا مورينو هو رابط جميل ومؤثّر بين الفيلمَين.
لم يعد لـ «الجتس» و«الشاركس» القدرة على التعايش مع بعضهما. العصابتان اللّتان تحكمان منطقتَين متقابلتَين في نيويورك الخمسينيّات من أصول عرقيّة مختلفة. يتزايد الكره بينهما وينعدم التفاهم بينهما. «الجست» البيض بقيادة ريف (مايك فيست) و«الشاركس» البورتوركيون بقيادة برناردو (ديڤيد الڤاريز). لا شيء يجمع المعسكرين. لكن عندما يلتقي طوني (أنسل أنغورت) صديق ريف وعضو «الجتس» سابقاً بشقيقة برناردو، ماريا (ريتشال زغلر) لا أحد يستطيع فعل شيء لوقف حبّهما. تبدأ ماريا وطوني الاجتماع سراً ويخطّطان للهروب. وفي الوقت نفسه، يحدّد «الجتس» و«الشاركس» موعداً للنزال بينهما، ومن يفوز، يسيطر على الشوارع. ترسل ماريا، طوني لإيقاف القتال والانتهاء من العنف. ولكن كلّ شيء يسير بشكل خاطئ وتضرب المأساة الجميع حتى النهاية المؤلمة والمفجعة.


الفيلم الجديد يدور في بيئة أكثر تشويقاً، ممّا يجعل حرب العصابات هنا أكثر واقعية. رسم سبيلبرغ الخيوط ذاتها التي لا تزال تشكّل أسباب المواجهة: الهجرة، استحالة التعايش السلمي، الفقر والعنصرية وتدمير الأحياء الفقيرة لبناء مبان طويلة لسكن. الكاميرا تطفو على إيقاع النغمات الموسيقية وتصميم الرقصات، في كل ثانية بسهولة ومرونة. التناقض بين المنطقتَين تتحدّد من خلال رمزيّة اللّون: الأبيض والأزرق البارد لـ «الجتس»، والأحمر لـ «الشاركس». ولكن هم لا يدرون أنّهم يشكّلون معاً العلم الأميركي.
في «قصة الحي الغربي»، استحوذ سبيلبرغ على مشاعرنا. خطوة واحدة فقط تفصل القتال عن الغناء، عن الرقص، عن ممارسة الحب. الأجساد في الفيلم تتفاعل مع بعضها. خطوة واحدة تفرق بين المشي والركض والقفز. أصوات الأجساد تُصدر موسيقى مع كلّ حركة وخبطة. المشاهد الغنائية والراقصة حيوية، من الجميل إعادة سماع أغنية I Feel Pretty وAmerica. أراد سبيلبرغ الاستحواذ على المشاعر والقلب، لا العقل، ونجح في ذلك. لم يجرؤ على إعادة كتابة الفيلم مرة أخرى، لكنه يعلم أنّ أصداء القصة عن العنصرية والعنف ما زالت مسموعة وراهنة. سبيلبرغ عاشق للسينما، كطفل أعاد «قصة الحي الغربي» إلى الشاشة الكبيرة. أعادها بالتقنيات الحديثة (التصوير والصوت)، واستعملها لبعث الكلاسيكية من جديد، وليس لإنجاز لفيلم عصري، وهذا لشيء عظيم. تأثّرنا بإيمانه المطلق بالفن السابع. بعد ساعتين ونصف الساعة، سوف يجعلك مؤمناً بها مرة أخرى.

West Side Story
في الصالات