تونس | الشريط التسجيلي «على خطاوي الحرف» لمحمد صالح العرقي سيكون في بعض المهرجانات الصيفية التي كُتب لها التنظيم. في هذا الفيلم، يرصد العرقي ولع مدينة دوز في أقصى الجنوب التونسي بالشعر، فكل سكانها يكتبون الشعر أو يحفظونه أو من عشّاقه.اختار محمد صالح العرقي مدينة دوز التي تسمّى بوّابة الصحراء الكبرى، لتكون إطاراً لفيلم تسجيلي، كما اختار مهرجانها الدولي «الصحراء» (تأسس في 1967) إطاراً زمنياً لهذا الشريط. ففي العكاظية الشعرية ـــ نسبة إلى سوق عكاظ ـــ يلتقي كل عام عشرات الشعراء الشعبيين (يسمى الشعر النبطي في الشرق والخليج العربي) الذين يتنافسون على جوائز المهرجان ويعد الحصول على جائزة المهرجان تأشيرة الاحتراف الشعري.
غاص المخرج محمد صالح العرقي في تفاصيل المدينة زمن المهرجان الذي تردد عليه خلال سنوات، ليتمكن من إنجاز هذا الشريط الذي يمثل شهادة سينمائية على مدينة شاعرة… في الفيلم، نستمع إلى قصائد في العكاظية وخارجها ونرصد ردود فعل الجمهور، كما نطلع على كواليس المهرجان ولجنة التحكيم.
يقدم الشريط التسجيلي أجيالاً مختلفة من الشعراء. ففي دوز، يورث الشعر مثل الحبيب عبد اللطيف ونجله بلقاسم عبد اللطيف، والراحل علي لسود المرزوقي ونجله أيوب المرزوقي الذي ترافقه الكاميرا في واحة النخيل. كما يقدم الشاعر الراحل سالم بن عمران والبشير قريرة الشاعر، والملحن العصامي وغيرهم. هذا الشريط رحلة في عوالم المدينة التي تحتضن الصحراء الكبرى وتؤكد قوة الإنسان في مواجهة قحط الصحراء. إذ زرع البدو الرحل القادمون من الجزيرة العربية الفيافي نخيلاً باسقاً. ففي محيط المدينة النابتة وسط الرمال الشاسعة، لا ترى إلا واحات النخيل التي تقاوم وحشة الصحراء.
ليس هذا الشريط هو الأول الذي يكتب سيرة المدينة، لكنّه أول شريط يغوص في روح المدينة وهو الشعر. ففي أفلام أخرى، كانت المدينة حاضرة في صورة أقرب إلى الفولكلور. إذ يظهر المهرجان على أنه مجرّد استعادة لتقاليد البدو الرحل وحنين إلى حياة البادية من دون أن يكشف جوهر الناس العميق وهو الشعر.
فكاميرا محمد صالح العرقي ترافق الشعراء وسط المدينة وفي زياراتهم إلى الصحراء وهي من التقاليد المحببة لدى معظم سكان المدينة، وخاصة في الربيع ونستمع إلى حكاياتهم وقصتهم مع الشعر منذ النشأة الأولى. ويبقى الشريط التسجيلي «على خطاوي الحرف» تخليداً لذكرى شعراء رحلوا أمثال علي لسود المرزوقي الذي اشتهر في السبعينات بقصيدته عن كامب ديفيد. كما اشتهر بعد 14يناير 2011 بقصيدته البديعة التي كشف فيها حقيقة ما يُعرف بالربيع العربي حيث تنبّأ بكل الخراب في المنطقة العربية الذي تم نشره تحت شعار الديمقراطية.
شريط «على خطاوي الحرف» الذي عُرض قبل فترة في «المركز الثقافي» لمدينة مقرين من ضواحي العاصمة، يعدّ سيرة مدينة نابتة بين الرمال تتنفس شعراً.