الهويّة الممزقة هي الحلوى الذي يحبّ أن يسلّي بها المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس نفسه («ناب الكلب»/ 2009، «جراد البحر»/ 2015، «قتل الغزال المقدس»/ 2017، «المفضلة»/ 2018). لهذا إذا اقتربنا من فيلمه القصير الجديد «لا شيء» (2019)، نرى هذا التمزّق من دون حرص كبير على احتضان أو فهم الفوضى المطلقة التي تتمثل في الإنسان. في غضون دقائق قليلة (12 دقيقة)، يطرح لانثيموس نوعاً من المعضلة الوجودية، على شكل قصة بسيطة، طفولية بعض الشيء، تتحول إلى فيلم غامض عن الهوية. الفكرة وراء «نيمك» (نمك كلمة رومانية تعني «لا شيء» أو «لا أحد») مرعبة، وحتى بشعة، يمكن اعتبارها على وجه التحديد، ملخّصاً صغيراً لكلّ شيء يحبّ لانثيموس القيام به في السينما.بدون كلمات كثيرة، وبكثير من الأصوات التي تصبح الأساس لخلق الرعب النفسيّ الفريد، ضمن مناخ غريب بأبعاد غير متناسقة بسبب منهجية التشويه التي تستخدمها الكاميرا، يصمّم لانثيموس عالماً غير متوازن، بشخصياته المنفتحة والعدائية، التي ستأكل روحك من دون أن ترمش، وبسلسلة من الهويات المفقودة والمسروقة. يسجن الإنسان في كابوسه العقلي، ويفصله عن غروره وعن ذاته، ويولّد ظلاً يطارده، ويقطع ذكرياته، وسعادته اليومية ووجوده.
شخصيات لانثيموس روبوتية، محاطة بوحدتها حتى عندما تكون وسط العائلة أو الأصدقاء أو الزملاء، يعيش هؤلاء الرجال والنساء في عاطفة مكبوتة. يوضعون في كابوس سينمائي وفي الفضاء اليومي المألوف الذي يلتفّ حول نفسه، ويخنقهم جميعاً. واقع يسحق الأنا، ويحرمها من تفرّدها، ويجعلها أشدّ وحدةً، ومهووسة بالوقت الذي يلقي بها في هاوية عقليّة دائريّة تعيد نفسها.
شخصيات روبوتية، محاطة بوحدتها حتى وسط الحشود


يبدأ الفيلم بلا نهاية، وفي نسخ متماثلة ومستمرة وأبدية وسرد لاذع وسياق سحري ومرعب في آن. يعرض لنا لانثيموس ديستوبيا اجتماعية تركز على موضوع التكرار والزمانية. يتنافس «نيمك» مع الدقائق المتاحة التي تتحدى بنفسها المشاهد لكشف اللغز. وتنقسم الأرواح والهويات المسروقة وينبثق السؤال: «هل لديك الوقت؟».

* Nimic على Mubi
* «جراد البحر» على نتفليكس
* «قتل الغزال المقدّس» على نتفليكس

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا