طموح أورلوفسكي مثير للإعجاب حقاً: تقديم وصف مقنع ومصوّر لما يفعله بنا نموذج العمل الخاص بحفنة من الشركات. نية المخرج الموهوب واضحة منذ البداية: إعادة استخدام الاستراتيجية التي اعتمدها في فيلمَيْه الوثائقيَّيْن السابقَيْن حول تغيّر المناخ، Chasing Ice وChasing Coral، والتي لخّصها الناقد ديفيد إيرليش في موقع «إندي واير» بأنّها «تقديم لرؤية جديدة مُقنعة لموضوع مألوف مع إثارة الرعب في النفوس». وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، يعتمد أورلوفسكي نهجاً ذا مسارين. في البداية، يَجمع مهندسين ومديرين تنفيذيين «تائبين» للتحدّث بصراحة عن شعورهم بالذنب حول الأضرار التي لحقت بالمجتمع «عن غير قصد»، وشرح بعض من تفاصيل انحرافاتهم الخوارزمية. تفسّر هذه المجموعة للمشاهدين الفظائع التي تفعلها شركات رأسمالية المراقبة، كفايسبوك وغوغل، في حق مستخدميها. غير أنّ المشكلة في ذلك تكمن في أنّه عندما يصلون إلى النقطة التي نحتاج فيها إلى أفكار ومقترحات حول كيفية تصحيح الضرر ومنعه، يبدون غير متماسكين وتأتي إجاباتهم أقل من المتوقّع!
تسخّر هذه الصناعة علم النفس التطبيقي لاستغلال نقاط الضعف البشرية وتحقيق الربح
المسار التعريفي الثاني في الفيلم والذي يتشابك مع الجانب الوثائقي، هو سرد روائي متخيّل لعائلة أميركية عادية يتم التلاعب بأطفالها وإفسادهم بسبب إدمانهم على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه هي طريقة أورلوفسكي في إقناع المشاهدين غير البارعين بالتكنولوجيا بأنّ المادة التي يقدّمها ليست حقيقية فحسب، بل تُبرز أذى ملموساً لا بدّ من التنبّه إليه. يبدو هذا الجانب على قدر من الضرورة لأنّ أكبر صعوبة تواجه منتقدي الصناعة التي صارت الأضخم في العالم وتتعامل مع المستخدمين كفئران مختبر، هي شرح ما يحدث لهذه الفئران بينما يتم توجيه خياراتها باستمرار عن طريق المكافآت (في هذه الحالة مستويات الدوبامين المرتفعة) المقدَّمة عبر الهواتف الذكية التي يتحكّم بها القائمون على هذه الاختبارات.
إلى جانب أهمية المعلومات التي يوفّرها ودفعت البعض إلى وصفها بالـ «مبالغ فيها»، يؤكد الشريط أنّ التنظيم والقوننة أمران لا بدّمنهما، كما يقدّم عبر موقعه الإلكتروني (the socialdilemma.com) موارد للآباء، وإجراءات للمساعدة في مكافحة المعلومات المضلّلة، بالإضافة إلى طرق التسجيل في «مركز هاريس للتكنولوجيا الإنسانية» الهادف إلى تغيير الثقافة في صناعة التكنولوجيا وتشجيع السياسيين على التشريع.
لكن على الرغم من ذلك، فشل The Social Dilemma في التفسير الدقيق للمحرّك الذي يقود هذه الصناعة التي تسخّر علم النفس التطبيقي لاستغلال نقاط الضعف البشرية. يقتصر الأمر على المرور على الأكاديمية شوشانا زوبوف، العالمة التي أسمت هذا الأداء «رأسمالية المراقبة»، وهو عبارة عن «طفرة» من النظام الاقتصادي العالمي يستخرج التجارب البشرية من أجل إنتاج تنبّؤات قابلة للتسويق حول ماذا سنفعل أو نقرأ أو نشتري أو نعتقد بعد ذلك. لكن بحسب جون نوتون في صحيفة الـ «غارديان» البريطانية، معظم الناس يركّزون على «المراقبة» ويتغاضون عن الجزء الثاني من العبارة، أي «الرأسمالية»: «وهذا أمر مؤسف لأنّ نموذج العمل الخاص بالسوشال ميديا ليس في الحقيقة نسخة متحوّلة من الرأسمالية، بل إنه الرأسمالية بحد ذاتها القائمة على إيجاد واستغلال الموارد التي يمكن استخراج الربح منها. بعد نهب وتعرية العالم الطبيعي، تحوّلت الآن إلى استخراج واستغلال ما في داخل رؤوسنا». أما السؤال الغامض الكبير الذي يطرح نفسه، فهو: لماذا نستمر في السماح لها بالقيام بذلك، وهل بمقدورنا التغيير؟
* «المعضلة الاجتماعيّة» على نتفليكس