بعد فيلمه الأول «لحم»، عاد نويه بباكورته الطويلة «أقف وحيداً» وعادت شخصية جزار الأحصنة (فيليب ناهون). القصة هنا تكمل بعد خروج الجزار من السجن (لمعرفة سبب دخوله السجن، يجب مشاهدة فيلم نويه الثالث «لا رجوع عنه»). يريد الآن أن يبدأ حياة جديدة، يترك ابنته في مؤسسة وينتقل إلى الضواحي مع عشيقته، ولكنه سرعان ما يعود إلى باريس بحثاً عن ابنته. كما يقول الجزار «إنها قصة مبتذلة». قصة رجل مثل كثيرين يجد نفسه في سلسلة من الأحداث العشوائية في نفق مظلم طويل ووجود ميؤوس منه. يبدأ فيلم نويه، بمونتاج صور وتعليق صوتي، لتوضيح خلفيه ما حدث مع الجزار.
أفلام غاسبار نويه مرهقة للبصر والسمع وحتى للمعدة والجسد كله
ومن بعدها تبدأ الأحداث بالتصاعد، وتبدأ معها سينما نويه الأكثر تطرفاً. العدمية عنصر أساسي في القصة، ونويه حريص على إظهار هذا.
يستخدم نويه التسميات التوضيحية لتقسيم فصول الفيلم (كعادته) وتوجيه المشاهد في سرد سحري. يحذرنا من أن لدينا ثلاثين ثانية للخروج والتخلي عن المشاهدة، ثم يبدأ العد التنازلي. يذهلنا بسرده. يعطي منظوراً جديداً للقصة بشكل مفرط. يلازمنا الشعور العام بالمرارة الحتمية والعنف المكبوت المستعد للانفجار في أي لحظة. إنها ميزة الأرجنتيني المثيرة، سينما لا حدود لها، موهبة تقنية، وعدم اكتراث بالمُشاهد.
في فيلمه الطويل الأول، يشرح غاسبار نويه لنا نظرته إلى الأخلاق. فعل القوي على الضعيف. الأخلاق امتياز للقلة. وهنا لا تمييز بين خير وشر، كما لن نجد ذلك في حياة الجزار. الجزار هو الضحية والجلاد، يتعامل مع العنف والظلم، وينتهي به الأمر باقترافهما. نصبح على الفور شركاء، متواطئين مع بطلنا. نشارك معه، قتله وعنفه. كل شيء أمام أعيننا ولا يمكن إدانته. يروي الفيلم كلّ شيء بسرعة الرصاصة، وتأثير اللكمات على الوجه. إزعاج المتفرج هدف حقيقي. نويه يحدثنا مباشرة، معبراً بطريقة بصرية وبوضوح شديد عن مئات الأفكار المشوشة.