هناك دائماً متعة غامضة نشعر بها عند مشاهدة الأفلام الرياضية أو أفلام الفداء والفرصة الثانية في الحياة وحكايات المستضعفين. غالباً ما نأخذ هذه القصص بطريقة شخصية، وفي كلّ الأوقات نتحمّس ونشجّع الفريق الرئيسي في لعبة رياضية ما. «طريق العودة» للمخرج الأميركي غافين أوكونور، حكاية ليست جديدة. هو فيلم بروح قديمة وأداء شخصي رائع من بن أفليك. شريط رياضي بالمعنى الواسع، لكنّه ليس عن كرة السلة فقط، بل عن رجل تعثّر في الحياة واستخدم كرة السلة كجذع شجرة تعلّق به لتفادي السقوط النهائي.
كان جاك كاننغهام (بن أفليك) ذات يوم ممتلئاً بالوعود. في المدرسة الثانوية، شكّل ظاهرة في كرة السلة مع مِنحة كاملة، قبل أن يبتعد فجأة عن اللعبة، ويفقد مستقبله. بعد سنوات من تلك اللحظة، سيتدهور وضع جاك أكثر لأسباب عديدة: يغرق في إدمان الكحول كلفة طلاقه وفقدانه أي أمل بحياة أفضل. عندما يُطلب منه تدريب فريق كرة السلة في مدرسته القديمة، بعدما تراجع كثيراً عن أيام مجده، يقبل جاك على مضض. ومع بدء الفتيان العمل كفريق واحد ومن ثم الفوز، وجد جاك ربما أخيراً سبباً لمواجهة شياطينه. لكن هل يكفي هذا لملء الفراغ وتضميد جراح الماضي الغائرة ووضعه على درب الخلاص؟
«طريق العودة» فيلم يجذب الجماهير التي تحبّ الدراما والإثارة الرياضية، ليس فقط بسبب وجود ممثل ذي كفاءة عالية أمام الكاميرا (أفضل أداء لبن أفليك منذ سنوات)، بل أيضاً بسبب قصة أفليك الشخصية التي شكّلت تحدّياً خاصّاً للممثل: فقد عانى أفليك من مشاكل الإدمان، ما كلّفه انفصاله عن زوجته السابقة جينيفر غارنر عام 2018 بعد زواج استمر ثلاثة عشر عاماً. هذا ما صرّح به حين قال إنّ الفيلم كان بشكل من الأشكال علاجاً بالنسبة إليه في خضم مشاكله الخاصة مع إدمان الكحول وعملية إعادة التأهيل. إلى جانب المعنى الواضح لأفليك، يحقّق الفيلم نجاحاً، ليس لأنه يعيد ابتكار شيء جديد في هذا النوع من الأفلام، بل إنّه فيلم رياضي تقليدي، ولكن بسبب جهود المخرج في عدم الوقوع في المألوف والكليشيهات (الموجودة لكن ليس بشكل كبير)، والواقعية القاسية للبيئة، واللعبة، وأيضاً لأنّ أفليك لم يكن يخشى أن يكون ضعيفاً أمام الكاميرا، إذ عمل على إصلاح نقاط الضعف في طريق محفوف بالمخاطر لدراما حزينة ورصينة.
أقوى نقاط «طريق العودة» بالتوازي مع أداء أفليك، هو عندما تكون لعبة كرة السلة في ذروتها حيث المشاهد التحفيزية ترغمنا على دعم الفريق. عندما يقوم جاك بتوجيه لاعبيه وتعليمهم وسائل لتحسين أدائهم، لا يحاول الشريط تبسيط كرة السلة بل يقدّم الاستراتيجيات، واللعبة كأنك تشاهدها في الواقع. وهناك الدراما الخاصة بجاك الذي يواجه مشاكله الخاصة من خلال تدريب الشباب... هذا الخلط في الدراما مع الفصل الأخير في الفيلم الذي يتم الكشف عن إنسانية التعافي، قدَّم العاطفة المطلوبة لفيلم دراما رياضي.
رجل تعثّر في الحياة واستخدم كرة السلة كجذع شجرة تعلّق به


طبعاً، لا يخلو العمل من الكليشيهات، ليس بسبب قلة مهارة المخرج أو الافتقار إلى نصّ جيد، بل بكل بساطة لأنّه لا يمكن أن نشاهد الفيلم من دونها، فهي مطلوبة في هذه النوع من الأفلام، خاصة أنّ القصة ليست جديدة بل قُدّمت ضمن قالب جديد (يكون هذا النوع من الأفلام عادةً قصصاً حقيقية). إلا أنّ الشريط وقع في مطبّ التركيز على شخص واحد، في حين أنّ القصص الثانوية فيه توازي بأهميتها القصة الرئيسية. لم يمنحنا فرصة استثمار عواطفنا في الشخصيات الأخرى أو الفريق، ولا التعرّف إلى فريق كرة السلة بشكل أعمق، فبناء شخصيات ثانوية كان ليعطي الفيلم دفعة أقوى. كذلك، بالغ المخرج في تقديم المشاهد التي نرى فيها جاك يجرّ نفسه إلى الأسفل أكثر، خصوصاً أنّنا مللنا المشاهد التي يدمّر فيها حياته. مشاهد أفقدت روح الفيلم الرياضي السريع المليء بالأدرينالين والقلوب الخافقة ونقاط الثواني الأخيرة.
«طريق العودة» فيلم غير متطلّب وممتع، بخاصة في مشاهد كرة السلة واللعبة وحركة الكاميرا مع الطابة واللاعبين. يقدم دفعة درامية ممزوجة بأدرينالين كافية لجذبنا. لكنّه لا يبقى معنا لفترة طويلة. ما يمكن أن نتذكره هو أداء أفليك عندما لا تفارق الكاميرا وجهه. لهواة هذه النوع من الأفلام، يقدم هذا العمل المطلوب، لكنه ليس في مستوى أفلام القصص الحقيقية مثل Hoosiers (1986) أو «المدرب كارتر» (2005/ متوافر على نتفليكس) أو «طريق المجد» (2006) وبالتأكيد لا يصل إلى مستوى الفيلم الوثائقي Hoop Dream (1994) لمخرج الوثائقيات الأميركي ستيف جيمس.

* The Way Back: حالياً في الصالات اللبنانية