«أيام» تساي مينغ ــ ليانغ: سحر السينما النقية

  • 0
  • ض
  • ض
«أيام» تساي مينغ ــ ليانغ: سحر السينما النقية

كانغ يجلس على كرسي جلد بذراعين، لونه بني فاتح، ينظر بلا حراك إلى لا شيء وصوت المطر يرتفع أعلى وأعلى. هو يعاني من ألم في هيكله العضلي ويخضع لعلاج مؤلم بالوخز بالإبر الإلكترونية. نون رجل أصغر بكثير يغسل الخس والخضروات، يطبخ في منزله وحيداً، يدخّن في الشارع وينام على فرشة بسيطة. يروي «أيام» للمخرج التايواني تساي مينغ ــ ليانغ الذي شارك في المسابقة الرسمية في «مهرجان برلين»، الحياة اليومية لهذين الرجلين الوحيدين الذين نعلم القليل عنهما في البدء. يجتمع الاثنان في مشهد واحد، كانغ يستأجر غرفة في فندق، نون يدلك له جسمه بالكامل، يمارس الاثنان الجنس... يكرس الرجلان نفسيهما لبعضهما... يضعان حياتهما وراءهما لليلة واحدة، ثم يتناولان وجبة خفيفة، وينفصلان. في كاتالوغ الفيلم، كُتب أنه «بلا حوارات». لا يوجد الكثير من السرد في «أيام»، ليس بالمعنى التقليدي والعام للمصطلح، لكن هذا لا يعني أن الفيلم لا يروي لنا قصة. هناك جملة في بداية الفيلم توضح على الفور نوايا المخرج «هذا الفيلم ليس مترجماً عن قصد» لأنه في الواقع، ليست هناك حاجة لذلك. هذه الأوديسا التي تدوم ساعتين بالكاد بحاجة إلى الكلمات أو حتى الترجمة (الكلمات المنطوقة قليلة جداً وغير مسموعة وغير مترجمة). قصة ليانغ تمكّنت من التواصل معنا من دون كلمات. فقط مشاهد طويلة تطلب الكثير من الاهتمام والتفاني، وتعطي ثمارها بسحر السينما النقية للمخرج. صور قوية، تم بناؤها بعناية ومهارة، تحكي عن عالمين مختلفين وحياة اثنين. لفترة طويلة، يضعنا المخرج في حالة من الترقّب وسؤال «ما الذي نشاهده؟». يعرّفنا إلى الرجلين الوحيدين فقط عبر أفعالهما وأجسادهما. عندما يجتمعان أخيراً في الفندق، تكون لحظة عميقة سريعة الزوال. يمكن قراءتها على أنّها نهاية أو بداية. لحظة مأساة عميقة أو بصيص أمل. تساي مينغ ــ ليانغ هو سيد الاختزال، لكن مع ذلك يقدّم الكثير. التواصل في الفيلم أعلى من الكلمات واللغات. يتواصلان بطريقة أعمق من خلال النظرات واللمس. مع ذلك، فإنّ غياب الحوار لا يعني أن لا دور للصوت، بل على العكس: يعطي ليانغ مساحة كبيرة للأصوات على مزاج المشهد. أنين ألم يانغ يصبح متعةً مع التدليك. أصوات الغابة، وضجيج الشارع الذي يدخل الشقة، عناصر أساسية لا غنى عنها. هذه الأصوات والمشاهد الطويلة التي لا يحدث فيها شيء، تعطي حميمية للفيلم. إذا اخترنا أن نكون صبورين مع ليانغ، فإن النتيجة واحد من أكثر الأعمال المؤثرة والمثيرة في السينما الآسيوية المعاصرة، القادرة على تحريك أوتار العواطف فقط من خلال الإيماءات واللمس والدموع وصوت صندوق الموسيقى والمباني المهجورة والطرقات المكتظّة الفارغة في آن معاً. استعارة ليانغ للوجود والوحدة التي يرويها في أفلامه لا مثيل لها.

0 تعليق

التعليقات