بمبادرة من «نادي لكل الناس»، أقيمت احتفالية بالمخرج العراقي الذي أسهم في تأسيس السينما التسجيلية العربية وتطويرها. الاحتفالية التي بدأت في بيروت، مع عرض أبرز أعماله «بعيداً عن الوطن» (1969 ــ 11 د) و«الزيارة» (1970 ــ 11 د) و«شهادة الأطفال الفلسطينيين في زمن الحرب» (1972 ــ 18 د)، اختتمت أخيراً في «مركز معروف سعد الثقافي» في صيدا حيث عرض «واهب الحرّية» (1989 ــ 90 د). لم يكن مصادفة، اختيار هذا الشريط ليكون مسك الختام. فهذا الفيلم الذي سجل أبرز محطات المقاومة الوطنية قبل 29 عاماً، وثّق علاقة الزبيدي بلبنان وبالقضية الفلسطينية، هو الذي حمل كاميراته في عز الاجتياج الإسرائيلي. على هامش الاحتفالية الجنوبية، كان لنا لقاء مع السينمائي المقيم في ألمانيا.بالتصفيق حيناً وبالكلام حيناً وبالنشيد حيناً آخر، تفاعل الحضور في قاعة مسرح «مركز معروف سعد الثقافي» أثناء عرض «واهب الحرية» بحضور مخرجه قيس الزبيدي والنائب أسامة سعد والكاتب كريم مروة الذي أسهم في إنجاز الفيلم التسجيلي. «هذا التصفيق ليس لي أو للفيلم، إنما لأبطاله المقاومين» قال الزبيدي في حلقة النقاش التي تلت العرض. بعد مرور ثلاثة عقود على تنقله بين بيروت وصيدا والجنوب والبقاع الغربي لجمع مواد «واهب الحرية»، لا يزال الزبيدي منقاداً إلى «الأسطورة الملحمية التي قدمها الشعب اللبناني برغم الصورة النمطية عن اللبنانيين، خصوصاً اللبنانيات، التي كانت تروّج عنه بأنهم يحبون الكيف والرفاهية. لكن ما حصل بأنهم نقلوا العدوى إلى الفلسطينيين، فانتفضوا للمرة الأولى عام 1987».
عُرض الفيلم (عن المقاومة المسلّحة والشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي بين 1982 و1985) مراراً في بيروت والمناطق، في سنوات سابقة. إلا أن مروره في صيدا الأسبوع الماضي، كان الأول. مرور الزبيدي في عاصمة الجنوب أخيراً، أيضاً كان الأول منذ 30 عاماً. يبدي تأثّراً إضافياً تجاه المدينة التي خصّها في مقطع رئيسي من الفيلم، إشارة إلى 560 عملية نُفذت ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي بين 1982 حتى تحريرها عام 1985. لقاءات مع والد الشهيد نزيه القبرصلي وعرض مواد تسجيلية عن مصطفى سعد ودور مخيم عين الحلوة. يدرك الزبيدي بأن صيدا التي عرفها قبل 30 عاماً، تغيرت كثيراً، مثلها مثل معركة والزرارية والقرعون (الاستشهادية لولا عبود) وكامد اللوز (الاستشهادي جمال ساطي) وبتغرين (الشهيد ميشال صليبا) وبيروت (الويمبي وبسترس ومحطة أيوب...) وجبشيت (الشيخ راغب حرب) ووادي الزينة وبرجا (انتفاضة الحجارة )... «أتابع المجريات السياسية الداخلية وأعلم بأن أشياء كثيرة قد تغيرت. لكن العودة إلى الفيلم جيدة لاستذكار تواريخ الأشخاص. حتى بتنا نقول مثلاً هذا الانتهازي كان مقاوماً!» قال الزبيدي.
ليست حاجة الزبيدي للعودة إلى التاريخ، بقدر حاجة الجيل الذي نشأ بعد ضمور جبهة المقاومة الوطنية وانحصار العمل العسكري بـ «حزب الله». برغم الظروف الاستثنائية التي أنجز خلالها الفيلم من حروب أهلية واحتلال إسرائيلي وإمكانيات محدودة، إلا أنه العمل الوحيد الذي جمع مختلف القوى العلمانية والإسلامية التي شاركت في المقاومة المسلحة ضد العدو. ربما ما سمح له بحرية التحرك، الهويات المتنوعة التي أعطاه إياها الحزب الشيوعي، بأسماء وطوائف تناسب كل منطقة. مقاطع خاصة بمقاومة كل من «حركة أمل» (معركة والزرارية والاستشهاديين بلال فحص وحسن قصير) و«حزب الله» (الاستشهادي أحمد قصير والشيخ راغب حرب واشتباك عين التينة) والحزب القومي (سناء محيدلي ووجدي الصايغ وخالد علوان) والجو الإسلامي في صيدا (نزيه القبرصلي). لكن المساحة الأكبر كانت للشيوعيين «الذين لهم الفضل في فكرة ووضع الفيلم». «واهب الحرية» الذي أنتجه «أنصار جبهة المقاومة الوطنية»، عرض مراحل المقاومة الشيوعية المسلحة من مواجهات عيناتا عام 1972وسقوط الشهيد علي أيوب إلى المواجهات التي قادها الشهيد معروف علاء الدين عام 1979 في بلدة مجدل سلم، وقد تحول رشاشه إلى خلفية ملصق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. تفرّد الفيلم بذكر المقاومين العرب الذين انضووا في المقاومة ضمن «حزب البعث» وجبهة المقاومة. مشهد لصبية من الرقة تلقي وصيتها، وآخر لمقاومين من مصر والعراق وسوريا. «كل وثيقة جمعناها، على قلتها، كانت بمثابة شهادة. رسومات وأغان وقصائد وصور فوتوغرافية وأفلام وجرائد. المقاومون الجنوبيون كانوا محرومين من الظهور في الإعلام، بخلاف انتفاضة فلسطين الأولى التي حظيت بتغطية مستمرة لوكالات الأنباء» يقول الزبيدي.
آخر أعماله فيلم عن فلسطين بعنوان «فلسطين عنوان مؤقت» حول تاريخ الاستيطان بين الماضي والحاضر


جديد الزبيدي هو شريط بعنوان «فلسطين عنوان مؤقت». «أنا لست مخرجاً عراقياً». ينتفض سريعاً بوجه من يقدّمه بتلك الصفة. «أنا مواطن عراقي، لكني لم أصور عملاً سينمائياً واحداً في العراق». الأسباب سياسية منعت فنه بعدما أخرجته إلى سوريا وألمانيا باكراً في الستينيات. «النظام البعثي كان عائقاً، برغم أنني دعيت من السلطة ثلاث مرات لأتعاون معها لكن بشروطها، فرفضت. في السينما والحياة، لدي مبدأ وموقف ولا أتحرك بدافع مالي أو دعائي أو شخصي». فيلمه الوحيد المرتبط بالعراق، وثائقي عن مواطنه الرسام جبر علوان.
الزبيدي من رواد السينما الوثائقية العربية في العقود الأخيرة مع المخرج السوري الراحل عمر أميرلاي، لكنه يفخر بأنه بث معظم جهوده في سبيل القضية الفلسطينية. «فلسطين سجل شعب» كان أول عمل تسجيلي عن القضية الفلسطينية، ثم «وطن الأسلاك الشائكة» وأفلام قصيرة عن قضايا فلسطينية في الأراضي المحتلة وفي الشتات. آخر أعمال الزبيدي فيلم عن فلسطين أيضاً اسمه «فلسطين عنوان مؤقت» باللغة الإنكليزية، حول تاريخ الاستيطان بين الماضي و الحاضر، مدته 30 دقيقة.
يعيد الزبيدي سبب تراجع كمية أعماله في السنوات الأخيرة، إلى أزمة الإنتاج. «كتبت سيناريوهات عدة عن روايات لبنانية وفلسطينية وكويتية، لكني لم أجد منتجاً يقتنع بها». أما عن سبب عدم إنجازه فيلماً عن الأزمة في سوريا التي يعتبرها وطنه أكثر من العراق، فهو «تداخل الأحداث التي اختلط فيها الوطني مع المرتزق».



احتفالية لبنانية
ينتظر جمهور «نادي لكل الناس» بأن ينظم العرض الأول لفيلم الزبيدي «فلسطين عنوان مؤقت». عرض يضاف إلى اتفاقية تعاون بين النادي والمخرج الذي نظم مطلع الشهر الجاري احتفالية بأفلامه وجال بها في المناطق. في حديث لـ«الأخبار»، لفت نجا الأشقر إلى أن النادي هو من أعاد الزبيدي إلى لبنان قبل عامين للمرة الأولى منذ عام 1989، كعضو في لجنة تحكيم مهرجان الفيلم القصير. أخيراً، اتفقا على تعاون أكبر يبدأ باحتفالية تكريمية لأفلامه ويصل إلى ترقيم أعماله وحفظها ضمن أرشيف النادي. علماً بأن الاحتفالية حملت الزبيدي إلى سينما «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية) حيث عرض للمرة الأولى جماهيرياً، فيلم «اليازرلي» عن رواية للكاتب الراحل حنا مينه (راجع مقال الزميل خليل صويلح). علماً بأن الفيلم الذي أنجزه في سوريا عام 1974، مُنع من العرض «بسبب احتوائه على مشاهد إيروتيكية». وفي «دار النمر» في بيروت، عرضت له ثلاثة أفلام فلسطينية. فلسطين حملته إلى أطفال «مدرسة أنصار» (قضاء النبطية) حيث عرضت له أفلام فلسطينية قصيرة بحضوره أعقبها نقاش معه.