الزمان: أواخر سنة 2009. المكان: شوارع القاهرة. سيارة أجرة تحمّل على ظهرها مواد خاماً لفيلم سينمائي، وتجوب شوارع «هوليوود الشرق». المشهد يوغل في الواقعية التي قد تتفوق على سحر ما تنجزه غالبية المخرجين السوريين اليوم... ما حصل في ذلك اليوم كان نتيجة التقليد الفولكلوري في «المؤسسة العامة للسينما» في سوريا: أي وقوع عطل تقني كان هذه المرّة في «جهاز الديكسي» (يحوّل المواد الخام إلى فيديو). عندها اضطّر المخرح الشاب جود سعيد (1980) لأن يحمل بضاعته الفنية ويسافر إلى مصر لينجز المهمة.
يعمل على فيلمين عن النزوح، ومشروعاً عن المخطوفات السوريات

في السنة التالية، كان على خرّيج معهد «لويس لوميير الفرنسي» أن يسافر إلى بلجيكا كي يكمل العمليات الفنية للشريط نفسه «مرة أخرى» (أوّل فيلم روائي طويل له – 96 دقيقة- إنتاج «المؤسسة العامة للسينما»، وشركة «سورية الدولية» حائز جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان «سان فرانسسيكو» وأفضل فيلم عربي في «مهرجان دمشق»، بالإضافة إلى جائزة لجنة التحكيم في المهرجان ذاته). ينطلق هذا الفيلم من قصة ضابط سوري كبير عاش في لبنان، وكان يُفترض أن يفتتح عروضه في دورة «مهرجان دمشق السينمائي» سنة 2010. لكن القوانين البالية ستصفعه بسبب تأخر شحن البكرات السينمائية إلى دمشق لما بعد المهرجان. هنا تقاسم سعيد بكرات فيلمه أي ثمرة جهده الأولى، بينه وبين مديرة الإضاءة والتصوير جود كوراني وتوجّه إلى مطار بروكسل. وقف منهكاً أمام الشخص المسؤول ليشرح له ظرفه، ويطلب منه السماح بنقل الأشرطة على متن أوّل طائرة متوجهة إلى دمشق كي يلحق بالمهرجان. ابتسم ضابط الجمارك البلجيكي طويلاً وهو يتأمل محدّثه قبل أن يمنحه ما أراد! على منصّة «سينما الشام»، حكى للجمهور نتفاً مما حصل معه، ثم قطف ذهبية المهرجان وكرّت سبحت الأفلام والجوائز من «صديقي الأخير» (110 د-2012) إلى «بانتظار الخريف» (114د – 2015 حائز جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة ـ آفاق السينما العربية- وأفضل سيناريو في مهرجان وهران) تلاها واحد من أفضل أفلامه هو «مطر حمص» (98 د، 2017)، إذ يقدّم الشريط سبراً عميقاً لما عاشته «عاصمة الفكاهة السورية» من ويلات متكئاً على حكاية متماسكة تمكّن من خلالها من استعراض إمكانياته، وطاقته كمخرج يملك عيناً سينمائية خاصة. تلا ذلك فيلم «رجل وثلاثة أيام» (٩٠د، ٢٠١٧ – جائزة أفضل ممثل لمحمد الأحمد في مهرجان الاسكندرية) وقد تم قبوله أخيراً للمشاركة في «بينالي السينما العربية» في «معهد العالم العربي في باريس» الذي عاد بعد توقفه لسنوات، وسينطلق ابتداء من 28 حزيران (يونيو)، لغاية 8 تموز (يوليو). لكن مهلاً أين أطماع هذا المخرج في صناعة الدراما التلفزيونية؟ لن يتأخر الجواب. فقد عرضت عليه شركة «سما الفن» (سورية الدولية سابقاً) واحداً من أهم النصوص التي امتلكتها سنة 2016، لكنّه جيّر العرض لصالح مغامرة مع شريكيه الزميل علي وجيه، والكاتب والممثل يامن الحجلي في مسلسل «أحمر» والنتيجة كانت مخيّبة إلى الحد الأقصى. ولأن النجاح له ألف أب، بينما يخلق الفشل «لقيطاً»، حُمِّل مخرج العمل كامل المسؤولية عن هذا السقوط. لكن جود سعيد اختار أن يعود بصمت إلى ميدان الفنّ السابع، إلى أن تحين الفرصة المناسبة لينجز مسلسلاً تلفزيونياً مستفيداً من أخطاء التجربة السابقة. هذ العام، أنهى تصوير فيلمين هما «درب السما» (كتابته مع رامي كوسا وبطولة أيمن زيدان- صفاء سلطان) و«مسافرو الحرب» (كتابته مع سماح قتّال، بطولة أيمن زيدان ولجين اسماعيل وحسين عبّاس وطارق عبدو).
عن هذين الشريطين، يقول مخرجهما في حديث مع «الأخبار» بأنهما «ثنائية عن النزوح في الحرب، الإجباري تارة والاختياري طوراً. فيلمان الأوّل فيهما إنتاج مشترك بين «مؤسسة السينما السورية» و«شركة آدامز بروداكشن». أما الثاني فمن إنتاج خاص لشركة «الأمير» اللبنانية، وقد تعاملت مع فكرة النزوح في كل منهما من منطق مختلف. بينما نحى «مسافرو الحرب» باتجاه المدرسة ما فوق الواقعية، انغمس «درب السما» في واقع مرير مغلف بالحلم».
ولأن الحياة بالنسبة إليه هي سينما وحفنة أصدقاء، فقد بدأ سعيد قبل إنهاء العمليات الفنية لفيلميه بالتحضير لمشروع جديد بعنوان «نجمة الصبح» ليفتح به سجل مخطوفات سوريات، ونقل معاناتهن من الواقع إلى افتراض سينمائي وفق ما يقول، مضيفاً: «سنجرّب تحويل حكاياتهن مرآة للحرب السورية والخراب الذي حل بالإنسان قبل كل شيء. ربما هي قصة أمل بعودة لتصبح الحياة من دونهن ضرباً من الموت».