تأتي رغبة نديم تابت في إنجاز الافلام من حبّه للسينما والمشاهدة منذ أن كان مراهقاً، يستمتع بمتابعة أفلام برغمان وبازوليني، بقدر ما يحب رؤية أعمال سبيلبرغ أو سلسلة أفلام «Home alone» مثلاً. من هذا المنطلق، يقرّ أن الافلام التي يحب إنجازها تأتي من العالمين: «كنت أشاهد أفلاماً مع أصدقائي، ودخلت تدريجاً هذا المجال. درست الفلسفة والتاريخ في الجامعة، ثم تلقيت دراسات في تاريخ السينما. شاركت أيضاً في تأسيس مهرجان «نما في بيروت» مع بيار صرّاف العام 2001. ففي تلك المرحلة، أدركت أنني أعرف عن غيب السينما العالمية، ولكني لم أكن أعرف الكثير عن سينما بلدي. الآن أصبحت ممن يعرفون جيداً السينما اللبنانية بفضل كمية الافلام التي شاهدناها من أجل المهرجان. أحب غسان سلهب، ونادين لبكي، ودانيال عربيد، ولكن الافلام التي شاهدتها لم تسمح لي برؤية شيء من حياتي وطاقتي في الشاشة. قد لا أمثّل كل لبنان، ولكني أريد أن أتكلم عن نفسي. وفعلت ذلك في أفلام قصيرة، وكان من الطبيعي أن أكمل هذا في فيلم روائي. ثم إن رؤية شباب في هذا العمر في الشاشة، أمر يستحق إنجاز فيلم».
نديم تابت: الفيلم مثل الحياة لا يمكن فهمه جيداً في البداية

الفيلم مزيج من قصص عاشها المخرج ورآها، وقصص يسمعها اليوم. تفاصيل الحياة واللقاءات بين الشباب والظروف، تغيّرت كثيراً عن تلك التي كانت في تسعينيات القرن المنصرم، أيام مراهقة واكتشاف المخرج نفسه. ولكن ما بقي في نظره، هو الضياع نفسه: «لا أعني بالضياع أمراً سلبياً. هو ضياع جميل. أنا لا أرى هذا الضياع محبطاً. هنا تبدأ الحياة. أرغب في أن أعرف ما يشعر به هذا الشخص في هذه الحالة. لا أقول إنني مع فكرة الادمان والمخدرات، ولكني أعرف أشخاصاً مرّوا بهذه التجارب ذاتها، والآن تخطوا المرحلة وباتوا أشخاصاً ناجحين في حياتهم».
لم يكن سهلاً على المخرج أن يجد الممثل المناسب لدور رامي (وليد فغالي) الذي يؤدي شخصية موسيقي روك يؤدي ضمن فرقة. فلهذا الدور، تصوّر تابت شاباً نحيفاً قريباً من أسلوب بوب ديلان، الا أن معظم الذين قابلهم خلال البحث عن الممثل كانوا أصحاب أجسام مثالية، تعكس ميول اليوم. الى جانب فغالي الذي لم يملك خبرة تمثيلية، اختار تابت كل من منال عيسى، وجوليان فرحات، ويمنى سابا، ونيكولا قرداحي لأنه كان يعرفهم وكانوا في باله منذ البداية: «هم ممثلون أعرفهم ورأيتهم في أفلام سابقة.
أما منال عيسى، فتعرفت اليها في الوقت عينه أنا ودانيال عربيد. عملت معهم كثيراً قبل التصوير. هي تجربة أحبها، وأتمنى أن أكمل بالاسلوب نفسه لأنه صعب. عملت مع الممثلين قبل التصوير لمدة شهر ونصف الشهر. وأحياناً، كانت صفحة حوار تتحول الى سبع صفحات. الا أنني لا أحب الارتجال خلال التصوير لأن النتيجة لن تكون طبيعية». يعتبر المخرج من ناحية أخرى أنه بدأ يفهم فيلمه للتو: «أعتقد أنه بمثابة تحليل نفسي. الفيلم مثل الحياة لا يمكن فهمه جيداً في البداية. وما زلت أكتشف أموراً مختلفة. وأدرك أن هناك أشياءً أصبحت أراها، ولكني لم أفكّر بها بالضرورة منذ البداية». الفيلم يبدأ خارج بيروت في يوم خريفي مشمس، ويدخلنا فيها من هذا الباب وعبر مناظر الطبيعة ليعود ويخرج منها بالطريقة نفسها في اليوم التالي.
تحتلّ الموسيقى جزءاً أساسياً في الفيلم وفي يوميات الشباب


عُرض العمل في عدد من المهرجانات أبرزها في روما وفي دبي، كما أنه سيكون قريباً في سياتل في الولايات الاميركية حيث للمخرج توقعات كبيرة: «أشعر أنه يمكن أن يُفهم هناك بشكل أفضل. فيه شيء أميركي. فسياتل مدينة كورت كوباين. بعضهم صُدموا بطريقة الكلام، ولكنها الطريقة التي نتكلم بها. في بعض الأفلام، أجد نفسي أحياناً أمام كلمات لا نستعملها في الحياة. حتى في أفلام أحبها أيضاً. أشعر أحياناً أن هناك «بروجيكتوراً» بيني وبين الشخصيات في الافلام، وأردت أن أزيله في فيلمي وألا تبدو المشاهد كأنها مصورّة في استديو، بل أن نتبع الشخصيات حقيقةً في الشارع، من هنا خياري العمل مع مدير تصوير فرنسي (باسكال أوفري) أحبّ عمله كثيراً».
من ناحية أخرى، تحتلّ الموسيقى جزءاً أساسياً في الفيلم وفي يوميات هؤلاء الشباب. خيار يعكس أيضاً شيئاً من حياة المخرج. إذ كانت لديه تجربة صغيرة جداً في مجال الفرق الموسيقية أيام المراهقة. برغم قصر التجربة، ما زال الى اليوم على علاقة قوية بعالم موسيقى الروك والالكترونيك في لبنان وفرقة «باني تايلرز» وشربل الهبر (مؤلف موسيقى الفيلم والاغنية التي تحمل عنوانه): «شربل اطلع على السيناريو وطلبت منه أن يكتب شيئاً. هو يعرف أسلوبي وكيف أعمل وهناك تناغم بيننا، مما سهّل العمل سويةً».
في حين يواجه معظم المخرجين الشباب صعوبات في ما يتعلّق بالانتاج والتمويل، لا يحتاج تابت على حدّ قوله الا لفتاة وشاب وكاميرا لانجاز فيلم: «يسألونني لماذا لا تذهب الى هوليوود واوروبا؟ في النهاية العلاقة مع المنتج تهمني كثيراً وهي جيدة جداً في حالتي (جورج شقير). علاقة تعني أنّ أحداً يصدقني، ويتمتع بالجنون نفسه».

* «يوم ببيروت»: «غراند سينما» (01/209208)، «فوكس» (01/285582)، «أمبير» (09/212516)