الدار البيضاء| لا شكّ في أنّ الشهيد محمد بوعزيزي كان صاحب الفضل الأوّل في إطلاق «ثورة الياسمين» وإطاحة نظام زين العابدين بن علي، لكنّ شاباً تونسياً آخر، أسهم في تأجيج الثورة على طريقته. لم يحرق نفسه، إلّا أنّ أغنيته «رايس البلاد» ألهبت مشاعر الآلاف، وتحوّلت نشيداً من أناشيد الانتفاضة، إنّه مغني الراب حمادة بن عمر، الذي اكتشفنا أغنياته مثل كثيرين على الـ«يوتيوب»، واسمه «الفنّي» «الجنرال» («الأخبار»، 8/ 1/ ).
بحثنا عنه بعد سقوط الطاغية، حتّى اهتدينا إليه بفضل «تويتر». على الهاتف أبلغناه تحيّة إخوته المغاربة، وقلنا له إنهم يريدونك في لبنان. وتحدّث إلى «الأخبار» عن تجربته، وعن اعتقاله في آخر أيّام الحكم البائد بسبب أغنية ينتهر فيها زين العابدين بن علي بقسوة وغضب... وعن بعض فناني تونس الذين يحاولون أن يركبوا موجة «ثورة الياسمين». ولم يفُته أنّ يتبرّأ من «حكومة الوحدة الوطنية» التي لا تزال تفوح منها «روائح نتنة من العهد البائد».
يؤكّد «الجنرال» مراراً أنه لم يكن خائفاً من نظام بن علي، «لم تكن هذه المرة الأولى التي أنتقد فيها أوضاع البلاد المتردية... لقد اخترت خندقي منذ ثلاث سنوات، أي منذ أن بدأت تأدية أغاني الراب التونسي». بدأ بن عمر الغناء عام 2008، هو الشاب العشريني ابن عائلة بسيطة من مدينة صفاقس. أولى أغنياته كانت «علاش؟» (لماذا؟) التي تناول فيها الفساد منذ تولّي بن علي للسلطة... وقد يكون أكثر ما لفت النظر إليه هو كلمات أغنياته التي لا تحابي أحداً، وتختار اللهجة التونسية المحكية كوسيلة للوصول إلى الجمهور، على طريقة أغاني الراب: «مصدر إلهامي هو صوت الشارع والناس، واللهجة التونسية، وآلام العباد (الناس)». وقد بلغ الذروة قبل أشهر في أغنية «تونس بلادنا»، قبل أن تؤدّي «رايس البلاد» في عزّ الانتفاضة، إلى اعتقاله.
لا يتردّد EL GENERAL في التعبير عن أمنيته بأن تنتقل عدوى «ثورة الياسمين» إلى باقي الدول العربية. ويفقد هدوءه عند الحديث عن بعض النجوم التوانسة، الذين باتوا مع الثورة بعد انتصارها، بعدما حابوا الرئيس السابق طويلاً، وبلا خجل: «هؤلاء كلهم منافقون. والشعب يعرفهم جيداً. التونسيون يعرفون أبناءهم. يعرفون من كان مع الثورة، ومن يريد أن يركب عليها اليوم».
الشاب الذي تحوّل إلى «أيقونة» فنية للثورة، يتحدّث عن فناني الراب المغاربة الذين يتشاركون معه في المشاغل. أبرز هؤلاء لطفي دوبل كانون، وكريم غانغ في الجزائر، ومسلم، ودون بيغ في المغرب... وقد يكون أحد القواسم المشتركة بين هؤلاء انتقادهم اللاذع للأوضاع في بلادهم، وهو النقد الذي أدخله إلى سجون بن علي ثلاثة أيام.
وإذا كان عبد الحليم حافظ هو صوت ثورة الضباط الأحرار في مصر، فإنّ العديد من المتتبعين يعدّون «الجنرال» اليوم واحداً من الأصوات التي واكبت الثورة التونسية. ما رأيك يا «رايس البلاد»، هنا يرد بسرعة: «ربما. لكن ما أستطيع أن أقوله لك، هو أننّي في إحدى اللحظات، شعرت بأنه كان ضرورياً توجيه رسالة إلى بن علي، وأن أقول له، وهو على كرسيّ الحكم: «رانا عايشين كي الكلاب. نص الشعب عايشين الذل، وذاقوا من كاس العذاب. رايس البلاد، شعبك مات». كان ينبغي أن يسمع هذا الكلام، كان ينبغي أن يتوقف عن كل ذلك النفاق. قد أكون من بين الأوائل الذين غنّوا كلاماً من هذا القبيل، لكنّه كلام باسم الشعب، وكنت أعرف أنهم سيعتقلونني بعد ذلك».
قضى حمادة بن عمر ثلاثة أيام في الزنزانة عندما أدى أغنية «رايس البلاد». يقول: «كانت ثلاثة أيام طويلة». ويضيف «لكن وللحقيقة والتاريخ، لم يضربوني ولم يعذبوني. لقد كانوا يحققون معي فقط. يطرحون أسئلتهم وأجيب عنها. ولولا وسائل الإعلام الدولية التي حرصت على متابعة تطورات اعتقالي، لكان الأمر أسوأ بالتأكيد».
بعد كل هذا، هل يعدّ نفسه «معارضاً سياسياً»؟ يرفض هذا التصنيف إذا كان يُستعمل «بالمعنى السياسي أو الحزبي الضيّق». ويستدرك: «لكنني معارض كباقي أبناء الشعب. وهي المعارضة التي تهدف إلى محاربة التسلط والقمع، وترغب في التحرر والعيش الكريم»، ويضيف: «أنا لست سياسياً، لكنني أغنّي هموم الناس، وهذا فعل سياسي. الراب سياسي في صميمه».
حمادة الذي لم يطلّ بعد على الشاشة (ماذا ينتظر منتجو التلفزة التونسيّة الحرّة ومبرمجوها؟)، في صدد إعداد أغنية جديدة تحمل عنوان «تحيا تونس». وغضب «جنرال» الـ RAP لم يخمد بعد: «هذه الحكومة تريد إطفاء النار في قلب الشعب التونسي، لا بد من أن يسقط الحزب الحاكم لأنه وريث السنوات الرصاصيّة. أنا أطلب من الشعب أن يواصل ثورته».


«الجنرال» For president

كان خبر إعتقال «الجنرال» حمادة بن عمر كفيلاً بتحويله إلى بطل تونسي. في ساعات قليلة، أنشئت عشرات المجموعات على موقع «فايسبوك» التي طالبت بإطلاق سراحه. كما أطلّ أفراد عائلته ليتحدّثوا عن طريقة إعتقاله. لكن اللافت كان إزدياد عدد الأشرطة التي تبثّ أغنياته على موقع «يوتيوب»، خصوصاً أغنية «رايس البلاد». وذهب بعضهم إلى القول بأنّ محمد بوعزيزي كان مطلق الشرارة الأولى للثورة. أما بن عمر فهو «ملهمها». ويبدو أن موجة «الجنرال» لن تهدأ قريباً. إذ طالب بعض الشبان على «فايسبوك» بأن يصبح هذا المغني العشريني ناطقاً بإسمهم من خلال تسليمه... رئاسة الجمهورية!