الجزائر | توحّد العلمان الجزائري والمصري في وداع وردة. كانت لا تستطيع أن تفرق بين حبّ النيل أو إطلالتها على البحر في بيتها بالجزائر. عاشت في بلد المليون شهيد «شبه وحيدة» بسبب انشغال ابنها رياض بينما ظلت ابنتها وداد جرحاً مفتوحاً حتى الموت بسبب خلافهما حول مسألة الاستمرار في الغناء. في الجزائر، لم تكن وردة تأنس إلا للعصفور «بافاروتي الذي يملك أجمل صوت، ولا يتوقف عن الغناء وإسعادي في كل لحظة أشعر فيها بالوحدة والإحباط».
الى جانب العصفور، هناك قطتها الشقراء «نوشكا». وردة تحب الحيوانات، قالت إنّها أكثر إخلاصاً من الكثير من البشر. في بيتها في الجزائر، استقرت لفترة قبل أن تشتاق مجدداً إلى النيل وزرقته. لكن أمس، خيّمت غيمة من الحزن على سماء الجزائر التي راحت تنتظر وصول جثمان فنانتها حتى ساعة متأخرة من الجمعة. وعلمت «الأخبار» أنّ رياض، نجل الفنانة الكبيرة بقي في الجزائر لاستكمال التحضير للجنازة الرسمية التي أعلن عنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إذ اتصل برياض عدد من مسشاري الرئاسة بهدف إعداد الجنازة ودفن وردة في مقبرة «العالية». هذه الأخيرة احتضنت قبل أكثر من شهر، جثمان الرئيس السابق أحمد بن بلة، بعدما ودعه الجزائريون بالورود والزغاريد والتكبيرات طوال المسافة بين قصر الشعب ومقبرة «العالية».
وأعلن مدير «الديوان الوطني للثقافة والإعلام» لخضر بن تركي أنّ الفنانة ستسجّى أمام الجمهور، والفنانين وكبار الشخصيات في قصر الثقافة، وسط العاصمة الجزائر عند العاشرة من صباح اليوم بالتوقيت المحلي من أجل إلقاء النظرة الأخيرة على صاحبة «العيون السود» التي كانت قد ودّعت الجزائريين بأغنيتها الوطنية الأخيرة «ما زال واقفين».
ونقلت مصادر مقربة من نجلها رياض أنّ بوتفليقة اتصل به مقدّماً تعازيه، مشيراً إلى أنّ «المصاب الجلل في فقدان وردة لا يخصّه وحده، بل يشمل الجزائريين» بينما توالت الاتصالات من وزيرة الثقافة خليدة تومي التي ستشرف على جنازة وردة والتأبين الرسمي. وقالت تومي في برقية تعزية لعائلة الفقيدة إنّ وردة «تمثّل مجداً كبيراً وتعدّ أحد أهم الأصوات في الجزائر والعالم العربي».
وتواصلت التحضيرات والاستعدادات في محيط قصر الثقافة، ومقبرة «العالية»، حيث سيرقد جثمان وردة عند عودتها إلى «الأم الطيبة» (مثلما وصفت الجزائر في أغنيتها الشهيرة «عيد الكرامة»). منذ ساعات الصباح، أحاط عدد من أفراد الأمن المقبرة، فضلاً عن تسخير الرئاسة لموظفيها من أجل ضمان حسن سير مراسم الدفن، خصوصاً أنّ شخصيات كبيرة ستحضر التشييع.
وعلى مستوى ردود فعل الفنانين، قالت المطربة فلة الجزائرية إنّ وفاة «وردة تمثل خسارة لنا، لكنها ستظل خالدة في قلوبنا إلى الأبد». من جهتها، قالت الفنانة دنيا لـ«الأخبار،»: «كانت وردة رمزاً وطنياً كبيراً، وجزءاً من هويتنا الثقافية والفنية». وكشف لخضر بن تركي أنّ الفنانة كانت ستشارك في الاحتفالات الخاصة بخمسينية استقلال الجزائر في الخامس تموز (يوليو). أما الموسيقار محمد بوليفة الذي تعاونت معه وردة في أنشودة «بلادي أحبك» وقيل يومها إنّ أميرة الطرب العربي غضبت من ضعف مستواها، فقال: «كان شرفاً كبيراً لي أن أتعاون معها في تلك القصيدة التي كتبها شاعر الثورة مفدي زكريا، ولو لم يصل مستواها لما تمنياه جميعاً». وسيشارك عدد من الفنانين الجزائريين والعرب في وداع وردة إلى مثواها الأخير اليوم بينما أعلنت شخصيات سياسية مهمة، مشاركتها أيضاً على غرار السلك الدبلوماسي، ورؤساء أحزاب ووزراء، وعائلة الفنانة الراحلة في الجزائر وباريس، وتلك الآتية من القاهرة وبيروت.