وحدها صباح كانت كفيلة بسحب الأضواء كاملة من أخبار العاصفة «ميشا» التي تشغل الناس هذه الأيام، وتحتل المساحة الأبرز من فضائهم الافتراضي. كذلك، تراجع الخبر السياسي رغم ثقل وطأته، عندما مرت «الشحرورة» بخبرها الأخير. هذه المرة لم يكن الأمر مزحة سمجة أو شائعة مغرضة.
فقد وزعت أوراق النعوة لـ «جانيت فغالي» (اسمها الحقيقي) فكان السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم أول الحاضرين لتقديم واجب العزاء، كيف لا، وقد سبق لصباح أن حكت عن المساعدات التي كان تصلها من الرئيس السوري بشار الأسد. وفيما كانت الإذاعات والمحطات السورية تبث أغاني الصبوحة في افضل طريقة لنعوتها، توالى الفنانون السوريون على صفحاتهم على الفايسبوك ليرثوا صاحبة «يانا يانا» ويتذكروها كما لم يفعلوا في حياتها. كتب الممثل والمخرج السوري سيف الدين السبيعي عن والدته الراحلة وكم كانت تعشق صوت صباح، لدرجة أنها أسمت ابنتها الكبرى على اسمها. وتمنى مخرج «طالع الفضة» أن تلتقي الراحلة بوالدته في مكان أفضل من هذا العالم المتعب. أما الممثلة شكران مرتجى، فقد كتبت «الصباح لا يموت بل يرحل. ولى الزمن الجميل ولم يبق سوى زمن التجميل». وعبّر المطرب المخضرم صباح فخري في حديثه مع «الأخبار» عن بالغ حزنه قائلاً: « كانت أحب إنسانة إلى قلبي في سوريا ولبنان، يميّز شخصيتها النقاء، والسعي الدائم لفعل الخير، وقد كانت السبب الحقيقي وراء قدومي وغنائي في لبنان وإحيائي حفلات هنا، حتى أنني شاركتها الغناء مرة واللقاءات التلفزيونية والصحافية مرات عديدة». من جانب آخر، يلفت «بافاروتي حلب» أن ميزة أغانيها التقاط الفرح وأهم ميزة في شخصيتها صراحتها المطلقة. ويضيف: «عندما رحل محمد عبد الوهاب قلت فقدت مصر أحد أهراماتها، واليوم نحن نفقد هرماً ثانياً في لبنان وسوريا».
وما إن أنهى الفنان السوري دريد لحام زيارته إلى مصر وعاد إلى مدينته دمشق عن طريق مطار بيروت، حتى وصله الخبر. يفصح في حديثه معنا «أول فيلم قدمته في حياتي كان «عقد اللؤلؤ» (1964) وهو من بطولة الصبوحة، وكان لطيفاً منها أن توافق على العمل مع دريد ونهاد اللذين كانا في بداية مشوارهما الفني آنذاك. والحقيقة أنها ساعدتني وعلمتني كيف يمكن التعاطي والوقوف أمام الكاميرا. ومن المعروف أنها كانت تحمل مساعي إنسانية مميزة، وربما تكشف قصة بسيطة حصلت معي عن عمق نبلها، إذ دعيتها مرة لتحيي حفلاً في مناسبة وطنية في سوريا، وفي يوم الحفل تساقطت ثلوج غزيرة وقطع طريق «ضهر البيدر». وعندما اتصلت بي لتخبرني، شعرت كم أزعجني الموضوع، فما كان منها إلا أن عاودت الاتصال مرة ثانية، وقالت سوف آتي من طريق «مرجعيون» حتى لو سأدور نصف العلم حتى أصل لن أجعلك تحزن. وبالفعل وصلت مع وقت إحياء الحفل ولم تقبل تقاضي قرش واحد كبدل مادي وهي كانت فعلياً تمنح كل ما تكسبه لمن حولها». من جانبها، تفضي النجمة أمل عرفة لـ «الأخبار» بالقول: «كأننا نفقد البركة من حياتنا مع رحيل هؤلاء الكبار. كانت صباح رمز شباب وحياة وابتسامة لا تغيب، وقد التقيت فيها أكثر من مرة في طفولتي. وأكثر ما يمر في بالي الآن التواضع الذي تحلت به، لكننا لم نتعلمه منها بما يكفي، رحمها الله، ويبقى العزاء بأعمالها الخالدة بدون أدنى شك». من جانبه، يقول الملحن سهيل عرفة في اتصاله معنا: «كان لي شرف التعامل معها في ستينيات القرن الماضي في أغنيتين: الأولى هي« أخد قلبي سكارسا» والثانية هي «ع البساطة» ثم وصل تعاوني معها إلى مجموعة من الأغاني وصل عددها إلى 20 منها للأسطوانات، ومنها للأفلام السينمائية، وهي كانت من المغنيات القليلات اللواتي تحولن إلى حالة فريدة وخاصة لدى عملهن في السينما. رغم أن هناك الكثير من المغنيات البارعات لم ينجحن في السينما، إلا أنّ الوضع مختلف عند صباح. لقد تحولت إلى ظاهرة فنية. أجزم أنه لم يعمل معها شخص إلا واستمتع. كذلك كانت هي ظاهرة إنسانية حقيقية وكان يقول عنها الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب «تعطي الملحن حقه وحبة مسك». وقد عرف كل من تعامل معها مدى طيبتها وعفويتها وإنسانيتها». يطلب عرفة منا الانتظار لحين عبوره حاجز الجيش ثم يكمل قائلاً: «الخبر حوّل الإذاعات السورية لتحيي كرنفالاً عن أغانيها الرائعة، حتى أن وزارة الثقافة السورية كانت تنظم لي حفل توقيع كتاب عن مسيرة حياتي في «دار الأوبرا» وقد تحول الحفل للحديث عن تاريخها وفنها الساطع، ومن الواجب تقديم العزاء إلى سوريا مثلما نقدمه إلى لبنان لأن الراحلة كانت تقول إنّ نصفها لبناني ونصفها سوري»
أما النجم حسام تحسين بيك، فقد فوجئ لدى اتصالنا به بالخبر وقال: «منذ أيام والصبوحة تمر في بالي مراراً، كأنها إشارة على قرب الرحيل الأخير. أشعر أن الحزن غمر قلبي الآن، وأقل ما يمكن أن يقال فيها إن العالم العربي فقد جوهرة ليس فقط على المستوى الفني، بل على المستوى الإنساني لأنها كانت صاحبة أطيب قلب في العالم تحمله بكل تواضع رغم ما تتمتع به من كاريزما خاصة وحضور ملفت وصوت استثنائي وأداء تمثيلي عفوي لا تمتلكه أهم الأكاديميات. كل ذلك جعل منها طاقة إيجابية تمنحها لكل من حولها وأينما تنقلت. وبغض النظر عن هذا الرأي بفنها، فقد لمست كل كلمة أقولها أثناء لقاءاتي المتكررة بها». من جانب آخر، يلفت صاحب «نتالي» إلى أن الراحلة كانت «بمثابة مدرسة. مثلما زرع الرحابنة فنهم في أكثر من جيل، هي تركت إرثاً غنياً سيبقى صامداً مهما طال الزمن: يحق العزاء لكل من عرف هذه الإنسانية الرائعة» فميا يعتبر المغني الشاب أنس صباح فخري بأن صباح كانت صاحبة بصمة خاصة بطرافة وحضور وصوت قوي، وحتى في رحيلها نحكي عنها باسم الدلع لأنها كانت رمزاً للفرح والشباب، ويضيف بالقول: «تجاوزت منطق الزمان والمكان وتحولت لأيقونة وهي من أواخر العباقرة الذين يخرجون عن المألوف ولا يمكن مقارنتهم مع أحد».