تشرين الثاني (نوفمبر) هو الشهر الذي أنجب جانيت فغالي، وأبى الا أن يأخذها معه. بين عامي 1927 تاريخ ولادة "الشحرورة" في بدادون (شرق بيروت)، و2014 تاريخ رحيلها، سيرة حافلة بالأمجاد والنجومية ولم تخل من الأحزان والإحباطات. صباح في زمن الصبا، المعروفة بحيويتها، ساعدتها الصدفة بأن يتعرف إليها قيصر يونس وكيل المنتجة اللبنانية آسيا داغر، التي كانت تعمل في مصر وقتها. بعث إليها بصور الصبوحة لترشيحها لفيلم غنائي.
وكانت هذه الصدفة كفيلة بانتقالها الى مصر مع عائلتها. هناك، عُمل على تطويع صوتها الجبلي على يد رياض السنباطي وزكريا أحمد، اللذين أعجبا بصوتها. وقُدمت يومذاك الى الصحافة والتقت كبار الكتّاب والأدباء أمثال إحسان عبد القدوس ومصطفى القشاش ومصطفى وعلي أمين. عرفت منذ ذاك الحين باسم "صباح" الاسم الذي ساهم عالم الصحافة في صناعته أيضاً. جاء ذلك عندما نشرت آسيا صورة جانيت فغالي في مجلة "الصباح المصرية" وطلبت من القراء اختيار "اسم فني للوجه السينمائي" الجديد وهكذا اتفق الجميع على مناداتها بـ "صباح".
للشحرورة باع طويل في الاستعراض والغناء والدراما. أكثر من 85 فيلما يسجل لها مع عمالقة الشاشة المصرية واللبنانية: رشدي أباظة، أحمد مظهر، محمد فوزي، فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ. وكانت أولى خطواتها نحو هذا العالم عام 1943 مع فيلم "القلب له واحد" الى جانب الفنان أنور وجدي. وبعدها توالت أعمالها السينمائية ذات الطابع الغنائي الاستعراضي على سبيل المثال: "هذا ما جناه ابي" (إخراج هنري بركات 1945) ،"شارع الحب" (1958) ،"الأيدي الناعمة" (1963) وآخر أفلامها في هذا المضمار: "ليلة بكى فيها القمر" (1980) من إخراج أحمد يحيى، مع الممثل المصري حسين فهمي.
من مصر الى لبنان والى خشبة مسارحه. قدمت الأسطورة صباح ما يقارب 27 عملاً مسرحياً، أبرزها: "موسم العز" (1960)، "دواليب الهوا" (1965)، "القلعة" (1968)، "ست الكل" (1974) “الأسطورة" (1994)، "كنز الأسطورة" (1997).
الصوت الجبلي الذي أرّخ للتراث اللبناني ولمواويله، طوّع ليقدم أغنيات بمختلف اللغات والأصناف والمستويات، وصل عددها الى 3500 أغنية قدمت في مختلف الأعمال المسرحية والأفلام والمهرجانات. وتسجل أولى خطواتها في هذا المضمار عندما قدمت أغنية "مال الهوى" للموسيقار كمال الطويل، وقد لاقى هذا النوع من الأغاني رواجاً نظراً لطبيعته المبهجة. ولعلّ أبرز مشاركات صباح كان مع أوبريت "الوطن الأكبر" (1960) للموسيقار محمد عبد الوهاب الى جانبها عمالقة الطرب العربي من مختلف أنحاء العالم العربي. كبار الملحنين غنت لهم صباح: فريد الأطرش، حلمي بكر، رياض السنباطي، محمد عبد الوهاب.
اسم صباح الذي جال العالم غناء واستعراضاً، كان يحط في بلاد الاغتراب وتحتفي به الجاليات العربية على نحو قد يفوق الخيال أحياناً. الشحرورة كانت ثاني فنانة عربية بعد أم كلثوم تغني على مسرح "أولمبيا" في باريس في منتصف السبعينيات، مع فرقة الفنان روميو لحود الاستعراضية. ومن باريس الى نيويورك، وقفت على أشهر مسارح المدينة الأميركية «كارنيجي هول"، وجالت مسارح لاس فيغاس و"دار الأوبرا" في سيدني، و"قصر الفنون" البلجيكي، عدا المسارح العربية طبعاً.
وكما هي الأفراح والأمجاد والاستمتاع بأضواء الشهرة، كذلك هي النكسات، ولا سيما تلك التي تأتي من المقرّبين. قوطعت لمدة عشر سنوات متتالية بعد تنازلها عن الجنسية المصرية التي عاد ومنحها إياها الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
ربما كانت الشحرورة أكثر فنانة تعرّضت للشائعات، ولا سيما تلك المتعلقة بوفاتها، حتى بات الأمر مقروناً بالتندّر والسخرية. اليوم غيابها ليس شائعة، فكما أرادت محاربة الشيخوخة والظهور دوماً بمظهر أنيق نضر، رحلت فجر أمس بهدوء وسكينة موصية جمهورها العريض بالقول: ”افرحوا واذكروني”.