فيلمون وهبي، حليم الرومي، فايق الرجّي، وردة اليازجي، ماري سليمان، وأكثر من خمسين شخصيّة طبعت تاريخ الأدب والفن والموسيقى والشعر والصحافة في لبنان، ولدوا في قرية كفرشيما (قضاء بعبدا). في خطوة تكريميّة لتلك الشخصيّات، أقامت بلديّة كفرشيما أخيراً متحفاً في مبنى البلديّة السابق وهو مبنى تراثي، كي يتضمن أرشيف أهم الشخصيّات الكفرشيميّة محتفياً بأهم أعمالها. الجزء الصغير من المتحف، يقدّم للزوّار نبذة عن تاريخ القرية بدءاً من المرحلة العثمانية إلى اليوم. أمّا الموضوع الأهم الذي يتناوله المتحف ويعرضه على الزوّار، فهو تاريخ الشخصيّات التي لمعت في الأدب، والصحافة والفن وكانت أصولها من القرية. يعرض المتحف سيرها، وصوراً وكتابات تمثل أهم أعمالها، وبعض المقتنيات التي تعود إليها. كيف تمّ العمل على إقامة هذا المتحف؟
مبنى المتحف

بدأت بلدية كفرشيما العمل على هذا المتحف قبل ستّ سنوات، فكانت الخطوة الأولى في حصر أهم الشخصيّات وجمع الأرشيف عنها. تعاونت البلديّة مع أهالي القرية وتواصلت مع عائلات وأصدقاء الكتّاب والصحافيين والفنانين. قدّم الأهالي والأصدقاء المساعدة لجهة تأكيد بعض المعلومات، ومنح بعض المقتنيات والتذكارات والصور للمتحف المستقبلي. «طلب المساعدة من أهالي القرية كان سهلاً وسلساً، لقد قدّموا ما باستطاعتهم برحابة صدر. في النهاية، إنّ إنجاز متحف مماثل هو من أهالي القرية وإلى أهالي القرية» هذا ما تؤكده رين ياغي الفتى، وهي عضو في مجلس البلدية ومسؤولة اللجنة الثقافية. تتوقف عند المدة التي استغرقها إنجاز المتحف: «رغم أنّ المدة الفعليّة التي استغرقها المتحف هي ستّ سنوات، إلّا أنّ بعض الأرشيفات قد بدأ العمل عليها قبل ذلك بكثير. فأرشيف الموسيقار ملحم بركات مثلاً استغرق العمل عليه حوالي 17 عاماً، وقد بدأ هذا النشاط بمبادرة فرديّة، ومن ثمّ طُرح على البلدية وتمّ التعاون معها بهدف إكماله».






بعد الانتهاء من جمع الأرشيف، خُصّص مبنى البلديّة السابق لعرض ما جُمع وتهيئته ليصبح متحفاً، وبالتالي حُكم المشروع بالمساحة التي قُدّمت إليه، ووُزع الأرشيف داخل المتحف باتّباع أربعة تقاسيم: قسم يشمل الشخصيّات الفنيّة كفيلمون وهبي، ملحم بركات، ماري سليمان وماجدة الرومي. قسم يعرض الشخصيّات الأدبية كناصيف اليازجي، طانيوس الرجّي، وديع سليمان والياس فرحات. القسم الثالث يتناول الشخصيّات الصحافيّة كإميل القارح، وردة اليازجي وفايق الرجّي. أمّا القسم الرابع، فيعرض بشكل موجز تاريخ قرية كفرشيما وأهم ما قامت به البلدية من أنشطة ثقافيّة وبيئيّة ورياضيّة ويعرض أرشيف «نادي الأدب والرياضة» في القرية الذي أسّسه أديب الفتى مع نخبة من شباب كفرشيما عام 1974. بالحديث مع رين ياغي الفتى عن الشخصيّات التي يكرمها هذا المتحف، تعرب عن فخرها، مشيرةً إلى النساء اللواتي حظين بمكانتهن داخل المتحف. توضح: «في هذا المتحف، تحظى ثلاث شخصيّات يمثلن الأدب النسوي في قرية كفرشيما، الشاعرة والصحافية وردة اليازجي التي عملت في «لسان الحال» و«أجيال» وغيرهما من الصحف. الأديبة هنا كسباني كوراني، التي شاركت في المؤتمر النسائي في شيكاغو عام 1893، وأصدرت مؤلفات عدة، والأديبة أنيسة عبد النور التي عملت في جريدة «زحلة الفتاة»».
استغرق العمل على أرشيف ملحم بركات حوالي 17 عاماً


عن أهمية إقامة متحف ثقافي مماثل في قرية كفرشيما، يقول رئيس البلدية المحامي وسيم الرجّي: «لم يقم أي نوع من الأنشطة التكريميّة لشخصيّات القرية المرموقة من قبل، هذه الشخصيّات توسّعت على مستوى العالم، إلّا أن بداياتها كانت من كفرشيما، ونحن مدينون لجميع هذه الشخصيات التي تركت بصمتها في عالم الأدب والفن والصحافة. فهذا المتحف هدفه الأوّل تكريم تلك الشخصيّات، ولكنه لا يقتصر على هذا فقط، بل هو خطوة لتخليد تاريخ وتراث القرية العريق والمحافظة عليه ليكون في متناول الجيل الجديد».
لا تقتصر الأنشطة الثقافية لبلدية كفرشيما على بناء متحفها الجديد، إذ يؤكد رئيسها: «لقد أقمنا مكتبة عامة في القرية. خطوتنا الجديدة كانت بناء هذا المتحف التكريمي. أمّا خطوتنا القادمة، فتهدف إلى جمع الأرشيف الذي عملنا عليه كي يكون في تصرّف الجيل الجديد بهدف الإفادة منه في الأبحاث والرسائل التي قد ينفذها في المستقبل». يشدّد على اهتمام مجلس البلدية بإقامة الأنشطة الثقافية والعمل على نشر الثقافة في القرية، مضيفاً: «يتم الاهتمام بالبنى التحتيّة والطرقات بتوفير المال. أما مشاريع مماثلة، فتتم بتوافر التاريخ والتراث».
سيقام احتفال افتتاح للمتحف قريباً، وسيحضره أهالي البلدة وعائلات المكرّمين وستتخلله كلمة لوزير الثقافة. «كفرشيما كانت عاصمة لبنان الثقافية في القرن التاسع عشر» هذا ما تقوله رين ياغي الفتى، وهذا المتحف مبادرة ترمي إلى الحفاظ على إرث القرية الثقافي وتخليده للأجيال الجديدة واللاحقة.