كنّا قد اعتقدنا أنّ المشهد المخزي للصيغة التنظيمية لحفلتي هاني شاكر في دمشق (بتنظيم «نقابة الفنانين» و«دار الأوبرا» بالتعاون مع الجالية السورية في مصر وجمعية الصداقة السورية المصرية) قد اكتمل، مع اشتعال الفوضى العارمة والعراك الذي حصل وتخريب ممتلكات «دار الأوبرا» أثناء تحويلها إلى حلبات مصارعة عند بيع التذاكر قبل أيّام، وذلك بسبب عبقرية المنظّمين الذين أصرّوا على أن تكون الدار مكان السهرتين، رغم أن قدرة صالتها الاستيعابية لا تتجاوز 1200 كرسيّ، وكذلك هي المنفذ الوحيد لبيع التذاكر! ثم أطلّ مديرها أندريه معلولي في أحد لقاءاته القليلة بعد البلبلة المهينة التي مرّت، ليبرر ما حصل، فوقع في جملة تناقضات صارخة، أوّلها أنه التفّ على ما قاله لنا قبيل ذلك في اتصال هاتفي عن أن وزيرة الثقافة لبانة مشوّح أرسلت إليه بلاغاً بوجوب عدم التصريح الإعلامي نهائياً، لكنه هنا خرقه، أو على الأقل تناقض مع ما صرّح لنا به! ثم راح يتهرّب من مواجهة المسؤولية والاعتراف بالخطأ، وتقصّد أن يلقي اللوم على الإعلام، معتبراً أنه صوّر أشياء سلبية ولم يركّز على الإيجابيات، كما أنه لم يجب عن سبب حصر بيع البطاقات في الدار، رغم ما كان متوقّعاً من زحف الجماهير التي أتت في غالبيتها لتقتصّ لنفسها من واقعها المرير وتشتري بطاقة حفلة لـ «أمير الغناء العربي» كما يلقّبه معجبوه بمبلغ لا يتجاوز 2000 ليرة سورية (ما يعادل نصف دولار أميركي)، أي أقل من ثمن سندويشة فلافل بائتة في بلاد تلتهم نفسها من كثرة الغلاء وتهاوي الخدمات!تلت ذلك زيارة نقيب الفنانين محسن غازي لمقرّ جريدة «الوطن» السورية شبه الرسمية، التي ردّت على زيارته بنشرها خبراً لغته محنّطة تحاكي فيه منطق تغطية المؤتمرات الحزبية البائدة، وتشرح ماهية الزيارة ومن كان في استقباله في المقر، وعن الخندق الذي يتمنى نقيب الفنانين أن يكون فيه جنباً إلى جنب مع الصحافيين! ليتّضح بعدها أنها مجرد خطب ودّ قبلتها الجريدة سريعاً، مقابل أن تُمنح التغطية الحصرية للحظة التاريخية التي يضع فيها نقيب الموسيقيين المصريين السابق قدمه على أرض مطار دمشق الدولي، وهو ما حدث حقاً! الحركة نفسها فعلها سعادة النقيب يوم دعا منصة محلية واحدة حاورته كما يشاء، مقابل أن تحضر الحدث «النخبوي» وهو إجبار مغنّيتي الملاهي ريم السواس وسارة الزكريا على التوقيع على تعهّدات بعدم التلفظ بالعبارات النابية، فكان رد السواس بعدها من دبي تبنيها لأغنية ركبت لها على فايسبوك أثناء اندلاع هذه الأزمة، فأعادت غناءها لتتحوّل إلى «ترند»، وتقول فيها: «أخدوني ع الرازي جلطني محسن غازي... لاقولي حلّ لمشكلتي عم يلغولي حفلاتي».
أما في ما يخص ليلة الأمس، وحتى ساعات الصباح الأولى، فكان علينا أن نراقب الاحتفال العارم الذي خُصص لوصول هاني شاكر، لكنّه بدا أشبه بافتتاح «محلّ شاورما» في القصّاع أو «فتّات مقادم» في الميدان. مجرّد عراضة شامية و«وصيف» مع فرقة بشراويل وسيف وترس. حتى لو تخطّينا فكرة أن ذلك أنسب لافتتاح محل تجاري، فلن ننجح بأن تكون الحالة أفضل من عرس شعبي، لعب فيه السيد النقيب دور والد العريس الذي شبك يده بيد ابنه العريس (الضيف) وراح يرفعها عالياً عندما يطلب «ردّيد» العراضة ذلك. حينها، كان الوجه المشرق للاحتفالية ينتظر أو على الأقل هذا ما تمنّيناه، لكنّ الواقع مختلف، إذ أطلّت فرقة رقص تسمى «آرام» (نبال البشير) قدّمت مستوى فنياً متهالكاً بأزياء غريبة ووجوه راقصين مبتدئين، كانوا يحاولون عبثاً تقديم لوحات من رقص الصالونات، على أنغام أغاني شاكر، لكن من دون جدوى أو قدرة فعلية على الاقتراب من السوية الاحترافية. أما عن الميزانية، فلا بد أنّها مترفة، طالما أننا في بهو فندق خمس نجوم ثبّت في صدره شاشة عرضت صور المغني المخضرم.
الاستقبال الكبير غالباً ما سيواجه كل منتقديه بمجموعة من الاتهامات، حول أنّهم كارهو النجاح ومتصيّدو عثرات، وربما يصبحون لاحقاً أعداء الوطن! واكبت هذا الحدث موجة جديدة من السخرية والهزل على الفايسبوك بسبب التنظيم والعقلية التي تدير حالة جماهرية وفنية كان يفترض أن تقطف ثمارها بمنطق بهي، فإذا بها تذوي بهذا الشكل المخجل!