فقط في سوريا يمكن أن يصل تقنين الكهرباء إلى 18 ساعة، فيما تتجاوز مناطق وشوارع وأبنية محددة هذا الأمر كلياً، من دون أن يخلق هذا التفاوت الوقح أي ردّ فعل شعبي، أو أن تتحوّل هذه المسألة إلى قضية رأي عام! بقية المفاصل الخدمية متهالكة أيضاً، والفساد منتشر، ونسبة الجرائم في ارتفاع بطريقة صادمة. عادي! لكن بصيغة لافتة، أوقف قرار نقابة الفنانين بمنع حفلات مغنيتي الملاهي الليلية السورية ريم السوّاس واللبنانية سارة الزكريا الشارع السوري على قدم واحدة. مئات آلاف التعليقات وعشرات التقارير والمقالات والفيديوات المركبة للنقيب محسن غازي، وهو يلعب دوراً قديماً يحبّ فيه مغنية ملاه، عدا عن فيديوات أخرى لريم السواس وهي تشتم من يكرهها، ثم انقسام حاد بين الجمهور. البعض يدافع عن الطريقة الإقصائية في التعاطي مع الشأن الفني ويعتبر ذلك حماية للذائقة، بينما يدين آخرون المنع، ويستنكرون السلوكيات القمعية. حتى المثقفين والفنانين دخلوا على الخطّ بجرأة غير مسبوقة، وعقّبوا على القضية التي ربما يعتبرونها مؤثرة في الشأن السوري المنكوب. علماً أنّ غالبيتهم يصمتون تماماً أمام قضايا تأتي في سياق الحريات، ولا يهمسون مثلاً حول اعتقال الصحافيين أو محاولة التعاطي الديكتاتوري معهم، والخلط الحاصل حالياً بين قانون الجرائم الإلكترونية وقانون الإعلام لدى مساءلتهم! على أيّ حال، دافع نقيب الفنانين السوريين محسن غازي عن نفسه وعن نقابته خلال ظهوره في عدد كبير من اللقاءات المصوّرة، إضافة لحديث معنا قال فيه إنّ النقابة لم تمنع إنّما طلبت حضور المغنيتين إلى مقرها من أجل توقيع تعهّدات بألا «تتفوها بكلمات بذيئة على المسرح». يا سلام! هل هناك أبهى من سوريا النظيفة الخالية من الشتائم التي تؤذي السمع؟ طيب، ماذا يمكن أن تفعل النقابة إذا أراد ممثل أفنى حياته في الدراسة والتراكم، وهو يرى مدير شركة إنتاج أميّ يتنطّح لمنابر عامة لكنّها فضفاضة على مقاسه، ويطيح بجملة واحدة بمهن إبداعية ودراسات أكاديمية لفنّ التمثيل؟ وكيف يمكن للنقابة أن تتدخل لحماية أحد أبرع وألمع الأصوات في سوريا وصاحبته كنانة القصير التي لم تعد تجد فسحة للشغل سوى في الملاهي الرخيصة... ومثلها كثيرون! في كلّ الأحوال، عبرت النقابة رفقة «درا الأوبرا» فوق البلبلة بخطوة مهمة عندما أعلنت عن استضافة الفنان المصري هاني شاكر، ليحيي حفلة في الشام، لكن سرعان ما سوّرت هذه الخطوة أيضاً بالشغب الصحافي، عندما أجرت النقابة مؤتمراً لا داعي له قبل حضور شاكر وموعد الحفلة بأكثر من أسبوعين، فجلس النقيب وإلى جانبه مدير دار الأوبرا أندريه معلولي وظلّ الصحافيون وقوفاً فيما كان المؤتمر عبارة عن جولة من المبارزات الكلامية والتصيّد الذي ركّز على النقيب وهو يتعاطى باستعلاء صريح مع صحافيي المنصّات والسوشال ميديا.بالأمس، اكتمل عقد المحبة وفرطت سبحة القضية الشائكة عندما اكتسحت صور السيّد النقيب محسن غازي وهو يرافق ريم السوّاس وسارة الزكريّا في مقر النقابة، الفايسبوك السوري، بينما كانت عبارة الزكريا الشهيرة (سكسكيوزمي من الجميع) الأكثر تداولاً وتعبيراً عما حصل، فيما أطل الصحافيون مجدداً على صفحاتهم بغضب واضح على اعتبار أنّ النقابة تواطأت هذه المرّة علناً مع منصّة واحدة بعينها، ودعتها دوناً عن غيرها لتقطف الخبر «الأنصع» و«الأثقل وزناً» هذا الموسم! المنصة التقت بالسوّاس وسارة ومعهما صاحب أبرع هزّة كتف على مسارح الليل، وأمهر من صدح بمواويل طائفية... بهاء اليوسف. وانتهت القضية بتوقيع التعهدّات و«تبويس الشوارب». فقط كان يلزم المشهد الحكيم «أبو عصام» ليبخّر المكان ويحميه من العين!