الوجوه التي تمتاز بنحافتها وبروز عظامها تحبّها كاميرا السينما، بمعنى أنّها تترك انطباعاً إيجابياً، وربما تخلق تعلّقاً لدى المشاهد بسبب خصوصية إطلالتها. لعلّ هذا السبب الذي جعل من الممثل السوري الراحل بسّام لطفي (1940 ــ 2022) حاضراً في بطولة سلسلة من أفلام السينما السورية. فبحسب معاصريه من الفنانين السوريين، مرّت فترة كان فيها الراحل فتى الشاشة الأوّل بعدما لعب سنة 1966 بطولة فيلم «سائق الشاحنة» (للمخرج اليوغسلافي بوشكو فتشينكش) بشراكة الراحلين خالد تاجا وهالة شوكت وآخرين لتليها سلسلة من التجارب السينمائية التي كان لطفي فيها بطلاً رئيسياً. الزمن سيعرف كيف يترك دروبه الموغلة بالتعب منسوجة على وجهه. الوجه الموسوم بخطوط محفورة تترجم تعاقب الأيّام المجهدة، وتراكم النوائب الثقيلة، سيكون أبرزها فجيعة خسارته لبلاده ثلاث مرّات. مرّتين في فلسطين التي احتلّها الكيان الصهيوني، فاضطر إلى مغادرتها طفلاً بعمر ثماني سنوات عند النكبة أولاً، ومن ثم ستعاد الكرّة بعد عودته لبضعة شهور ويضطرّ إلى مغادرتها ثانية عند النكسة. والثالثة بعدما أفنى عمره بالعمل، سيشعر بأن سوريا عبارة عن ماء معين يغور من بين أصابعه منذ مطلع عام 2011 عند اندلاع الأزمة. هكذا، لم يأت نجم الأبيض والأسود في لقاءاته الأخيرة على ذكر فلسطين، إلا بكى بحرقة. يحكي في إطلالته الأخيرة على إذاعة دمشق قبيل انطفائه ببضعة أيّام عن عرض مسرحي قدّمه مرّة في مدينة القنيطرة المغربية، وكيف لدى مغادرته المسرح قابلته أمّ وبناتها الثلاث، وسلّموا عليه باحترام شديد إلى درجة تقبيل يده ثم أهدوه خواتم وأساور ذهبية ومالاً بسيطاً ليحاول إيصالها إلى الفدائيين في فلسطين.
هنا، غلبته الدموع بحرقة واضحة. فيما كان قد ظهر في الذكرى الـ 74 للنكبة على شاشة فلسطين، وروى عن مدينته طولكرم وأمّه السيدة الدمشقية التي علّمته الدرس الأوّل ببلاغة لا يمكن إلا أن تتكّرس بعمق! عندما تطوّعت لأن تطبخ لجيش الإنقاذ العربي سنة 1948 مرّة كلّ أسبوع، ثم رافق هذا الجيش وهو طفل بناءً على طلبه من خاله وهو أحد ضبّاط جيش الإنقاذ، ليقبع في مكان قريب من المعركة، وينتظر الغروب وعودة الفصائل تقتاد الأسرى والجرحى الإسرائيليين! الذاكرة العتيقة تروي كيف غادر مع جيش الإنقاذ لفترة مكوث مؤقّت لن يستمر إلّا لشهور، لكن المدة طالت حوالي عشرين عاماً عاد بعدها ليطلب من عمّته أن تأخذه إلى طولكرم وأن تضعه في الساحة الرئيسية وتتركه يصل وحده إلى بيته. وبالفعل تمكّن من ذلك، رغم أنه غادره عندما كان عمره 8 سنوات، ثم فارق بلاده نهائياً عند النكسة إلى أن انطفأ قبل أيّام في دمشق. السرد سيتّشح بالدموع مرّات متتالية، إلى أن يكلّله بتحية جليلة بلّلها الدمع قال فيها: «المتشائمون يعتقدون أن النصر بعيد! لكنّ كل المتفائلين، وأنا منهم، يجزمون بأنه قريب، ببركة الشهداء وذويهم وأرواح الأطفال والمرابطين في القدس والسجناء وأهاليهم وكلّ من يقاوم ولو بكلمة. طالما أنكم موجودون، الأكيد أننا عائدون! ».