سبق أن قلنا إنّ فرقة «سفر» السورية تنجز باللحم الحي مشاريع فنية قيّمة من دون أن تيأس! صحيح أنّها انطلقت منذ عام 1999 لكنّها توقّفت طويلاً، قبل أن تعود قبل سنوات وتبدأ من جديد. كما أسلفنا بأنّ الفرقة ظلّت لوقت يسير بعيدة عن «الترند» بمفهومه الإيجابي، باعتبار أنّها جرّبت مجافاة منطق السذاجة الذي يتسيّد المرحلة. إلى أن انفجرت أغنية «يا ويل ويلي» (شادي الصفدي، وافي العباس، إياد بريدي، عماد ميهوب، مضر جمول ومهند نصار) تماماً مثل قنبلة مضيئة نوّرت الشارع السوري، وحقّقت أرقاماً قياسية مذهلة وصلت إلى 17 مليون مشاهدة على يوتيوب وحده! كونها لفتت النظر بصيغة موسيقية غربية اشتبكت مع قضية خدمية موغلة في المحليّة. وربما هذا التناقض الصارخ هو ما حقق التمايز المدهشّ، إضافة إلى كلام مؤثر ولحن مشغول، ساند تلك العناصر كلّها بمنطق القيمة المضافة فيديو كليب أخرجه يزن شربتجي، نجل «شيخ الكوميديا» السورية هشام شربتجي، ومدير الإضاءة والتصوير الشهير. بعدها، صعبت المهمة جداً، على اعتبار أنّ القاعدة التقليدية الشهيرة فيما يخص ذلك تفيد بأن الحفاظ على النجاح أصعب من الوصول إليه. هكذا، أخذت «سفر» وقتها الكافي لإطلاق جديدها، وكان عبارة عن مجموعة أغاني صوّر أبرزها على طريقة الفيديو كليب تحت عنوان «كراج» (كلمات وألحان فرقة سفر، إخراج يزن شربتجي)، فجاءت النتيجة مخيّبة جداً بالمفهوم النقدي، على الأقل مقارنة مع سابقتها، على اعتبار أنّ الفرقة تعتمد كغناء بالدرجة الأولى على الممثل والمؤدي شادي الصفدي الذي يقول عن نفسه إنّه لا يمتلك مقدرات صوتية كبيرة، وهو محق في ذلك. لكنه يجيد الأداء بسوية محترفة ربما! إذاً، منذ البداية، فقدت الأغنية الصوت المبهر بمقدراته الصادمة بالمنطق الإيجابي، لتكتمل سلسلة الخسارات بهذه الأغنية تحديداً من خلال كلام عادي جداً، وعمومي، وشائع، بعضه مستهلك للغاية خاصة بما يخص الفكرة التي تقول: «لا تقلي أسامي ما كلو حرامي وبعبي، بجيابو بخبي ومن فضل ربّي هيك بقول». ثم تحيل اللقطة الكليشيه إلى لافتة مكتوب عليها الجملة السورية الشهيرة: «هذا من فضل ربي»، فيما لا يترك كلام الأغنية لاحقاً أيّ انطباعات حسيّة عميقة، ولا يتمكّن من تحريك دفقات وجدانية، أو العبث بآلة الزمن وخلط أوراق الذكريات مثلاً. وهي المفردات الصادقة للعمل الفني الناجح. إلى جانب لحن بسيط للغاية من دون التخلي الذكي عن اللعب على وتر الحاجات الأساسية للحياة الكريمة، والتباينات التي تزيد من معاناة الشارع السوري اليوم، وظهور محدثي نعمة ومخلّفات وتجّار الحرب الذين تحوّلوا إلى مضاربين على لقمة العيش للسوري المحتاج، وهم أكثرية. لكن هنا تقع الفرقة في مطبّ خطير من دون أن تنتبه، إذ أطلت في إحدى نشاطاتها الإعلامية لإطلاق أغنية «كراج» على إحدى المنصّات التي تعمل من دون ترخيص، وبأسلوب مشبوه وبأموال مشكوك في نظافتها!
لا يستطيع أفراد الفرقة التدقيق في تلك المعطيات، لكن لا يمكن أيضاً لعارف بكواليس القضايا أن يتجاهل ذلك! على أيّ حال، وفي حديثه معنا عن هذه الأغنية، يقول الموسيقي والصحافي السوري فراس القاضي: «بالمعنى الفني هذه ليست أغنية أصلاً، ولا تملك لحناً حقيقياً، بل هي قريبة من موسيقى الراب لكنّها أبطأ، وكلامها مفهوم أكثر، واللحن بسيط جداً، لدرجة لا يرقى لأن يسمّى لحناً بل مجرّد توليفة مع الكلام ليصبح منغّماً، حتى لا تصبح راب، أي الموسيقى وحدها والكلام يأتي متعاقباً بشكل منفرد». أما عن انتشار الأغنية فيضيف القاضي: «هذا حصل فعلاً وبصورة واضحة خاصة خلال الأيام الأولى لطرحها على السوشال ميديا، نتيجة ذكاء الفرقة والاستثمار الناجع في مواضيع تشكّل قهراً وغضباً حقيقياً لدى الناس، وهو ما يظهر جليّاً في الفيديو كليب وفي كلمات الأغنية خاصة عندما تقول: +ما بقدر إحكي وقلّك كل لي براسي، إذا رح تعرف شو عم فكّر والله لتحرق أنفاسي+». ويتابع: «هذه جملة إسقاطية، تنطبق على كل مطارح الفساد والقمع في البلاد. أما فنياً فهي لا تملك تنقلات ملفتة بين المقامات، ولا تقدّم مقاماً واحداً بطريقة جذابة كما فعلت الكثير من الأغاني العربية مثلاً. الأغنية تفتقر لأي جاذب موسيقي!».