من الأشياء النادرة التي تجعل السوري يعزّي نفسه بأنّه اختار البقاء في بلاده، بعض حفلات «دار الأوبرا» التي يحييها فنانون مبدعون يعتصمون في الشام حتى اليوم! ولعلّ العازف كنان أدناوي يجعلك تقول في سرّك عند حضور أمسيته يوم أمس على مسرح الدراما في الدار: «حسناً هناك موهوب ما زال في البلاد ولم يهاجر». ثم سريعاً وبعصا ساحر، يقفل عليك أبواب التفكير السلبي، ويخلّصك من ثقل الإحباط وجور الحياة الكالحة التي تعيشها في بلاد الحصار والجوع والعتم... برشاقة مفرطة، يترك الرجل جمهوره يرتفع نحو المزاج المعتدل بسرعة شهاب يقطع عتم السماء.حضوره بتمعّن يوازي إحساساً بالرقص فوق عند النجوم. نتلقّف موسيقاه مع فرقته الصغيرة بنهم مَنْ جوّعته صرعة الاستهلاك، والنشاز المنفّر لبعض حفلات «قلعة دمشق» الأخيرة والتي انتشرت كالنار في هشيم السوشال ميديا السورية.
صنع أدناوي مع فرقته (دلامة شهاب، تيما نصر، مارلا صحناوي، رهف شيخاني، علي أحمد، ليلى صالح، محمد شحادة، جواد حريتاني وغطفان أدناوي)، خلال ساعة ونصف الساعة من الزمن تقريباً، دفقة من العمق الفنّي. نظّف حرفياً آذاننا من كلّ الشوائب التي تعلق بها يومياً... انطلاقاً من «افتتاحية تموّز»، قبض بإحكام على الحضور الذين لم يكمل عددهم مقاعد الصالة، لكنّهم بوضوح هم من جمهور «السمّيعة» الذين أنصتوا وتماهوا بعيون برّاقة مع مقطوعات طويلة على مقام البيات، وعزف منفرد متنوّع، قبل أن يتحفهم مضيفهم بمقطوعات حياتية كتبها بلغة دلالية موغلة في الصدق عن الواقع الذي يشيّد عداء مع الحلم لتصبح الأحلام مجرّد «أمنيات يومية»، ثم أخذ المسرح إلى فضاء مفتوح عندما أبدع في «مزاج».
كنان أدناوي لمَنْ لا يعرف، هو عازف عود سوري كان شقيقه أستاذه الأوّل قبل أن يدخل المعهد العالي للموسيقى في دمشق ويدرس بشكل أكاديمي مع أساتذة متخصصين في العود والنظريات الموسيقية. وسرعان ما انضمّ إلى فرق وموسيقيين وقدّم معهم حفلات في أماكن مختلفة، لعلّ أبرزها فرقة «وجوه» للموسيقى الشرقية والفرقة السيمفونية الوطنية. كما شارك في مهرجانات جاز وحصل على المركز الأوّل في مسابقة العود الدولية في بيروت عام 2009. كما أنّه عمل مع مغنين مكرّسين، منهم اللبنانية جاهدة وهبة.