حين دمَّرت طائرات العدو مسرح المسحال في غزَّة في آب (أغسطس) 2018، ظنَّ مهنّد قاسم أنَّ مشواره الفنّي القصير انتهى. الشاب الذي شغفه التمثيل منذ طفولته ووجد فرصته على يد المخرج والكاتب محمد إدريس طالب الذي صقل موهبته وأتاح له الوقوف على خشبة المسحال في أكثر من عرض مسرحي كـ «حبل غسيل» و«الخانكة» و«هولاكو» قبل أن يدرس الفن المسرحي في مؤسسة «أيام المسرح»، لم يعتقد أنَّ باستطاعته تجاوز آثار غارات آخر نسخة من «هولاكو» التي أصابت قلبه فدمَّرته كما فعلت بالحجر تماماً.ولكن إعلان «شركة نيوسين للانتاج الفني» بعد عامَين عن حاجتها للتعاقد مع مجموعة من الممثلين للمشاركة في عمل درامي جديد سيتمّ انتاجه في قطاع غزة أعاد الأمل إلى قلب مهنّد، فتقدَّم إلى المقابلة وخضع للاختبارات المطلوبة لينال أداؤه إعجاب المخرج حسام أبو دان الذي أسند إليه دور المقاوم «مصعَب» في المسلسل الذي حمل إسم «ميلاد الفجر».
ردود الفعل الإيجابيَّة على المسلسل وعلى أداء مهنّد بشكل خاص، حرَّرته من الخوف والتوتر الذي رافق التجربة الجديدة، فكانت شخصيَّة مصعب فرصته التي أحسن استغلالها ومدخله إلى عالم الدراما الذي سيثبّت قدميه فيه سريعاً.
ومع بدء التحضيرات لمسلسل «شارة نصر جلبوع» (كتابة زكريا أبو غالي ومحمود منصور وإخراج حسام أبو دان)، وقع اختيار أبو دان مجدداً على مهنّد لأداء شخصيَّة الأسير مناضل انفيعات، وكان التحدي أكبر هذه المرَّة مع تجسيد شخصيَّة حقيقيَّة لا تزال على قيد الحياة وقد تشاهد المسلسل يوماً وتعاين مدى قدرة الممثل على محاكاتها. وهي شخصيَّة استثنائيَّة لأسيرٍ قرَّر المجازفة بالمشاركة في حفر النفق ومغادرة السجن عبره رغم أنَّ المدَّة المتبقية من محكوميَّته لا تتجاوز تسعة أشهر.
ويستدل مهنّد في حديث معنا على أهميَّة ما يقوم به مع زملائه والانزعاج الصهيوني الواضح من الأعمال الدراميَّة الفلسطينيَّة في الفترة الأخيرة، وخصوصاً «شارة نصر جلبوع» الذي كان موضوعاً لتقارير عدَّة على شاشات القنوات الإسرائيليَّة فضلاً عن صداه الكبير في الداخل المحتل وفي جنين. ويرى أنَّ فرادة هذا النجاح تكمن في الظروف الاستثنائيَّة التي لا يعرف مثلها صناع الدراما حول العالم، مستذكراً توقف العمل أكثر من مرة أثناء تصوير «ميلاد الفجر» وانصراف الممثلين إلى منازلهم بسبب غارات استهدفت أماكن قريبة جداً من مواقع التصوير. «الفنّ مقاومة أيضاً ونحن مستمرّون كما هي المقاومة مستمرّة رغم كل شيء»، يختم «مصعب» حديثه بهذه العبارة.