لحظةّ واحدة مرّت أمس كانت كفيلة بسحب الشريط أربعين عاماً إلى الوراء، والتمهّل لدى التدقيق في صوره المتعاقبة التي تحكي ذاكرة جيل كامل! إذاً، لن تكون لحظة عابرة أو تشبه غيرها من الوقت الرتيب. لا بد من أنها لحظة مهيبة تستحق الوقوف ومن ثم الانحناء الطويل، كونها بمثابة طوفان غامر، حتى تمكّنت من استحضار كلّ تلك السنين، وحياكة تفاصيلها مجدداً على ماكينة الخياطة اليدوية كونها كانت من علامات تلك الحقبة الزمنية، التي نلوذ إليها مغمّسين بالحنين حتى آذاننا! لقد مات سامي كلارك (1948ــــ 2022) فخطف بصدمة موته انتباه جيل كامل في سوريا، وأخذه معه بسرعة الضوء، نحو نهاية الثمانينات، ومطلع التسعينات عندما كان للتلفزيون وزن وقيمة، رغم أننا أمام قناتين اثنتين ببث لا يتجاوز 10 ساعات يومياً، ويبقى الحظ وليف من يتمكن تلفزيونه من التقاط تردد قناة أردنية، أو تردد تلفزيون «المستقبل» اللبناني الذي كان يمثّل صرخة عصرية في عالم الميديا أوّل بزوغه... تلك الأيام كانت برامج الأطفال في سوريا محصورة ضمن فترة زمنية بعد عصر كلّ يوم، وهي أيضاً تترك فرصة السخرية لدى الأطفال أنفسهم ممن يلتزم بالمشاهدة بهذه الفترة فقط ويسمّيها علناً فترتنا! ولعل أبرز البرامج التي حفرت في الوجدان الجمعي وصنعت ذاكرة متقدة وموحدة برامج مثل «غرندايزر» و «جزيرة الكنز» وقد ارتبط صوت كلارك بهذين المسلسلين تحديداً، إضافة إلى أعمال كرتونية أخرى، عدا عن أعماله الغنائية الوازنة. لكنه كان قد نسج خيوطاً وثيقة أحاطت قلوب كلّ مشاهديه من الأطفال. لعلّ أوّل من نبّه الجيل كاملاً في سوريا لأن يستعد للرحلة نحو الزمن الذهبي، كان الممثل السوري الشاب بيدرو برصوميان عندما كتب على صفحته الشخصية على الفيسبوك: «لم يعد جيم يستطيع إعداد القهوة لسيلفر، وغرندايزر سيعجز عن الطيران بعد اليوم، ولن يتمكّن حماية الأرض من وحوش فيجا.. وداعاً سامي كلارك». سرعان ما خرجت بعض الأصوات التي تستنكر اختزال تاريخ الرجل الذي قدّم ما يزيد عن 700 أغنية، وشّكل ظاهرة نوعية لم تتكرر بشارة مسلسل كرتوني واحد!
لكن الأمر أبعد من ذلك بكثير، لأنه في شارة المسلسل ذاك، اختصر سامي كلارك أحلام جيل كامل، وعمّر بفرادة مذهلة ذاكرة وجدانية ستستعيده كلّما حنّت إلى طفولتها. لهذا يحق لنا أن نسميه «غرندايزر»، كما يحق له برحيله أن ينذر بأسف مغادرتنا جميعاً سنّ الطفولة!