منذ الحلقات التمهيدية الأولى للمسلسلات الرمضانية، اصطادت النجمة السورية سلافة معمار حصّتها اليسيرة من المشهد، بدورَيْن يحملان أقصى درجات التباين. الأوّل في بطولة «حرملك» (سليمان عبد العزيز وتامر اسحق وإنتاج «كلاكيت»)، والثاني في «مسافة أمان» (كتابة إيمان السعيد وإخراج الليث حجو وإنتاج «إيمار الشام»). ربمّا يعيدها هذان الدوران إلى «أيّام اللولو» عندما لعبت دورها الشهير في «زمن العار» (كتابة حسن سامي يوسف ونجيب نصير وإخراج رشا شربتجي).
في «حرملك»، تجسّد معمار دور صاحبة الخان ومديرته البارعة، ومهندسة السهرات الرفيعة لعلّية القوم، وصاحبة الحظوة الطائلة في صياغة السياسة بما تملكه من ثروة تتجسّد في عدد كبير من فتيات يمتهنّ صوغ ليالي البسط والأنس! شخصية حديدية، وحضور طاغ، وجرأة تسبكها معمار على القالب... بمعنى أنها تمنح الشخصية حقّها، لكن بضبط عالٍ، أي من دون مبالغات أو تهويلات، أو استعراضات لا طائل منها. تتغّير نبرة الصوت نحو الحدّة، فيما لا تمسك نفسها عن الشغل الجوّاني والتعاطف لحدوده القصوى وهي تهوي نحو صدق إنسانيتها. يحدث ذلك وهي تخضع إحدى فتيات الخان مرغمة لإسقاط جنينها بعد حملها نتيجة علاقة بتاجر قماش. تتذكر نفسها يوم تعرّضت للموقف ذاته! البراعة الأدائية عند نجمة «قلم حمرة» (يم مشهدي وحاتم علي) تأتي من قدرتها على مزج الحالة النفسية للشخصية بشكلها الخارجي، والتحّكم اللافت بعضلات الوجه لإجادة ردود أفعال حرّة لم يشوّهها السيلكون، ثم القدرة على استخلاص تعبيرات عميقة لم تقتص منها عمليات التجميل! الأمر يمشي على خطّين متوازيين عندما يتعلّق بمهنة التمثيل الحقيقي. إذ يتعيّن على الممثل أن يكون واعياً لأن وجهه جزء من رأسماله، ولا ينبغي «اللعب» به على «أبو عماها».
براعة أدائية في «حرملك» نابعة من القدرة على مزج الحالة النفسية للشخصية بشكلها الخارجي
على قطب نقيض، تلعب معمار في ميدانها الآسر الاجتماعي ــ المعاصر وأمام كاميرا حسّاسة صاحبها الليث حجو في «مسافة أمان» حيث تطل بشخصية الدكتورة «سلام». هي الكلمة المفتاحية للحكاية؛ امرأة مكلومة على كل المقاييس، تفتتح الرواية على صفحتها الممهورة بكارثة ضربت تحت الحزام! زوج مخطوف وفديته أن تضع الزوجة حقيبة مليئة بالغازات السامة في المستشفى الذي تعمل فيه، لعلّها تحصد أرواح أكبر قدر ممكن من الأبرياء! تختار المرأة المرعوبة التبليغ، فتقرأ نعوة زوجها بعينيها على شكل فيديو يصوّر لحظات قتله على يد الخاطفين. المقطع المصّور يحصد آخر ملامح الخصب في روحها، وهي معتقلة تحت ذمة التحقيق للتستر على عصابة خطف! اللبوة الجريحة تريد أن تدافع عن ابنها الوحيد وهو ما تفعله. اللافت هنا الأداء المهذّب والمعافى تماماً من الانفعالات الخارجية في غير مطرحها، أو الانكفاء نحو الشغل البرّاني واستعراضات الصريخ والعويل باعتبارها أساليب بائدة في فنّ التمثيل! الاجتهاد سمة الشغل والضبط بعين المخرج يتجلى في أعلى حالاته!
سلافة هذا الموسم قبيلة ممثلات من خلال جسد واحد في دورَيْن. لن تكون المسألة غريبة على أحد، فالنجمة السورية خبرت طويلاً كيف يكون الشغل على أصوله!

*«مسافة أمان» 23:00 بتوقيت بيروت على «لنا»، و18:00 على lbci
* «حرملك»: 00:00 بتوقيت بيروت على «لنا»، و23:00 على mbc، و23:30 على lbci